ملخص في ثوانٍ: في ظل الاضطرابات الاقتصادية المستمرة، التي تتجلى في ارتفاع معدلات التضخم، تراجع سوق الأسهم، وتسريح الموظفين الفيدراليين، يبقى الأثرياء في أمريكا بمنأى عن التأثر، مستفيدين من سياسات مواتية وعزل اقتصادي فعّال. وعلى الرغم من الوعود بعصر ذهبي، فإن الواقع الحالي يشير إلى مسار يخدم أصحاب المليارات، بينما يُترك المواطن العادي لمواجهة الضغوط الاقتصادية دون بارقة أمل حقيقية في الأفق.
في ظل الاضطرابات الاقتصادية المستمرة التي تعصف بالولايات المتحدة، يبدو أن هناك أمرًا واحدًا ثابتًا لا يتغير: طبقة المليارديرات ستكون دائمًا بخير. فبينما تتقلب مؤشرات السوق، ويعيش المواطن العادي حالة من الترقب والقلق، تبقى الأصول الفاخرة والأسهم والاستثمارات الآمنة ملاذًا لا يتزعزع لأثرياء أميركا.
الغلاء مستمر… والمواطن يختنق
أسعار البيض والحليب لا تزال مرتفعة، التضخم عاد للارتفاع، وسوق الأسهم يشهد تقلّبات حادة. أضف إلى ذلك موجة جديدة من تسريحات جماعية للموظفين الفيدراليين، ضمن ما تصفه الإدارة الحالية بأنه “تكيّف اقتصادي” — أو كما سمّاه وزير الخزانة سكوت بيسنت: “فترة التخلص من السموم الاقتصادية”. في هذا الجو، يعيش الأمريكي العادي حالة من القلق الاقتصادي شبه الدائم. كل ذلك يحدث بينما يُطلب من الناس التحلي بالصبر، لأننا — على حد تعبير إدارة ترامب — نمر بفترة “تكيّف”.
لكن السؤال هنا: من الذي يتحمل عبء هذه “السموم”؟ هل هم أصحاب المليارات الذين يمكنهم تجاوز الأزمات دون تغيير أسلوب حياتهم؟ أم المواطنون الذين يجدون أنفسهم مجبرين على تقليص مصاريفهم وتأجيل طموحاتهم؟
من وعود “العصر الذهبي” إلى واقع اقتصادي متعثر
الرئيس السابق دونالد ترامب وعد، منذ اللحظة الأولى لعودته إلى السلطة، بأن “العصر الذهبي لأمريكا يبدأ الآن”. لكن بدلاً من الازدهار، يجد المواطنون أنفسهم أمام اقتصاد مرتبك، وتراجع في ثقة المستهلك، وسوق متقلبة تتفاعل بشكل سلبي مع قرارات سياسية غير متوقعة.
وفي كلمته الأخيرة في النادي الاقتصادي في نيويورك، قال وزير الخزانة بيسنت: “الوصول إلى السلع الرخيصة ليس جوهر الحلم الأمريكي”. وربما لا تعني هذه العبارة شيئًا لمن لا يشغل باله بأسعار الحليب والبيض، لكنها تطرح تساؤلات عميقة حول فهم الإدارة لواقع المواطن العادي.
الأغنياء في مأمن… والآخرون يدفعون الفاتورة
دعونا نكن واقعيين: لن يتأثر جيف بيزوس، إيلون ماسك أو مارك زوكربيرغ بزيادة أسعار السلع الأساسية. فارتفاع أسعار اللحم الفاخر أو الرسوم الجمركية لا يعدو كونه “ضوضاء في الخلفية”. أما المواطنون العاديون، فهم من يتحمل العبء الأكبر، من تقليص مصاريفهم اليومية إلى تأجيل خططهم المستقبلية.
في إحدى مقابلاته التلفزيونية، قال بيسنت إننا “قد نشهد بعض الألم” خلال هذه المرحلة. لكن من يملك ثروة تتجاوز 700 مليون دولار، لا يشعر بذلك الألم — على الأقل ليس كما يشعر به من يتابع كل قرش في ميزانيته الشهرية.
هل هو انتقال أم تراجع؟
يحاول بعض السياسيين، مثل رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، طمأنة الرأي العام بأن ما نمر به الآن ليس سوى “انتقال” من سياسات بايدن الاقتصادية. لكن الحقيقة أن إدارة بايدن سجلت نموًا متواصلًا في الوظائف على مدى 50 شهرًا متتاليًا، وحققت عائدات استثمارية قوية، ودفعت بقطاع الصناعة نحو نهضة لم تحدث منذ أكثر من نصف قرن.
ما تسميه الإدارة الحالية “انتقالًا” يبدو للكثيرين وكأنه تراجع متسارع إلى الوراء، حيث تُعاد السياسات التي تخدم الأثرياء إلى الواجهة: تخفيضات ضريبية، إزالة القيود، وقرارات حماية تجارية تخدم فئات محددة.
مؤشرات الركود تلوح… والإنكار السياسي مستمر
البيانات الاقتصادية الحديثة لا تُبشّر بالخير. فقد انخفضت ثقة المستهلك، وتراجعت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وأشارت تحليلات اقتصادية عدة إلى أن ركودًا خفيفًا قد بدأ بالفعل. كما بدأت وتيرة تسريح الموظفين الفيدراليين في الازدياد، ضمن خطط الحكومة لخفض الميزانية الفيدرالية.
لكن رغم هذه المؤشرات، لا تزال إدارة ترامب ترفض الاعتراف بوجود أزمة. بل يتم تقديم هذه الأحداث على أنها “جزء من التعافي” من السياسات السابقة. لكن الواقع لا يعكس هذا التفاؤل، بل يظهر أن العبء يُلقى على كاهل المواطن العادي مرة أخرى.
الأمريكي العادي في الواجهة… والمليارديرات في الظل الآمن
في خضم هذا كله، المواطن العادي هو من يدفع الثمن. فبينما يستطيع المليارديرات تجاوز الأزمات بسهولة بفضل استثماراتهم المتنوعة ونفوذهم السياسي، فإن باقي المواطنين يجدون أنفسهم مضطرين لشد الأحزمة، وتأجيل التقاعد، والقلق على وظائفهم.
في المقابل، لم يتغير شيء بالنسبة لطبقة المليارديرات. ثرواتهم باقية، ضرائبهم منخفضة، وتأثيرهم على السياسة الاقتصادية لا يزال قويًا. باختصار، “العصر الذهبي” لم يكن يومًا موجهًا للجميع — بل لأولئك الذين كانوا من ذهب أصلاً.
خلاصة القول
في الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن “التضحية لأجل الاقتصاد”، من الأفضل أن نعرف — على الأقل — من الذي يقدّم التضحيات، ومن الذي يجني ثمارها. بالنسبة لكثير من الأمريكيين، الأزمة الاقتصادية هي واقع يومي. أما بالنسبة للأثرياء، فهي مجرد تقلبات مؤقتة لا تغيّر من أسلوب حياتهم الفاخر شيئًا.
ربما لن يدخل الجميع العصر الذهبي، لكن المؤكد أن يخوت بعض الناس أصبحت أكثر لمعانًا.