ملخص في ثوانٍ: في خضم الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، أعيد تداول مقطع فيديو قديم يظهر فيه الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، يوضح الأسباب الحقيقية وراء اعتماد الشركة على الصين في تصنيع إلكترونياتها. ويفنّد كوك الفكرة الشائعة بأن السبب هو انخفاض تكاليف العمالة، مشيرًا بدلاً من ذلك إلى مزايا الصين الفريدة، مثل وفرة العمالة الماهرة، والتقنيات المتقدمة في صناعة الأدوات، وسلسلة التوريد الفعالة للغاية. ويؤكد كوك أن هذه العناصر الأساسية يصعب تكرارها في أي مكان آخر، مما يجعل الصين لاعبًا رئيسيًا لا غنى عنه في قطاع تصنيع الإلكترونيات على مستوى العالم.
عندما أطلق دونالد ترامب حربه التجارية مع الصين، أعرب عن أمله في أن تحول شركات كبرى مثل آبل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. لكن خبراء الصناعة والنقاد جادلوا بأن التصنيع على نطاق واسع في أمريكا غير عملي لعدة أسباب. وسط هذا الجدل، عاد إلي الظهور مؤخرًا مقطع فيديو مدته 57 ثانية، يدحض فيه تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، الاعتقاد السائد بأن الشركات تنتقل إلى الصين بسبب انخفاض تكاليف العمالة فقط. وبدلاً من ذلك، أكد على أهمية سلسلة التوريد الواسعة في الصين، والبنية التحتية المتطورة، والقوى العاملة ذات المهارات العالية في تلبية متطلبات التصنيع لشركة آبل.
يقول كوك: ”هناك ارتباك حول الصين. ودعوني على الأقل أعطيكم رأيي. الاعتقاد السائد هو أن الشركات تأتي إلى الصين بسبب انخفاض تكاليف العمالة. لست متأكدًا إلى أي جزء من الصين تذهب هذه الشركات، ولكن الحقيقة هي أن الصين لم تعد بلدًا ذا تكاليف عمالة منخفضة منذ سنوات عديدة“.”
بالإضافة لذلك، يُسلط كوك الضوء على الميزة الفريدة للصين وهي: وجود عدد كبير من العمال ذوي المهارات العالية في مكان واحد. ويؤكد أن منتجات آبل تتطلب أدوات متطورة وقدرات عالية الدقة، وهي قدرات تتفوق فيها الصين بفضل خبرتها العميقة في مجال إستخدام الأدوات التكنولوجية المعقدة.
ويضيف: ”السبب هو نوع المهارة، وعدد العمال الذين يجيدون إستعمال هذه المهارات في مكان واحد. فالمنتجات التي نصنعها تتطلب أدوات متطورة للغاية، والدقة التي يجب أن تتوفر في الأدوات والعمل مع المواد التي نستخدمها هي من أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا“.
ويقارن السيد كوك ذلك بالولايات المتحدة، مازحًا بأن اجتماعًا مع مهندسي الأدوات الأمريكيين قد لا يملأ غرفة واحدة، بينما في الصين ”يمكن أن تملأ عدة ملاعب كرة قدم“ بمثل هذه المواهب.
وردًا على الفيديو، كتب أحد المستخدمين: ”صحيح، الأمر يتعلق بالحجم والسرعة والدقة. حيث تتمتع الصين بأعداد ضخمة من مهندسي الأدوات والتصنيع ذوي المهارات العالية. والأمر لا يقتصر على العمالة فحسب، بل هو نظام كامل تم بناؤه على مدى عقود، مع سلاسل توريد عميقة وسرعة في الإنجاز يصعب تكرارها في أي مكان آخر“.
وعلق آخر: ’أتفق تمامًا مع تيم كوك. ففي الماضي، استغلت الشركات العمالة الرخيصة في الصين، ولكن التطور السريع لتكنولوجيا التصنيع في الصين هو الذي جعلها تتقدم بفارق كبير على الولايات المتحدة وألمانيا‘.
والجدير بالذكر أن شركة آبل تعتمد على شبكة التصنيع الواسعة في الصين لإنتاج أجهزة آيفون وغيرها من الأجهزة الإلكترونية بكميات كبيرة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الشركة أيضًا في تنويع قاعدة التصنيع الخاصة بها، مع التركيز على الأسواق الرئيسية مثل الهند. بفضل نظامها البيئي المتنامي لتصنيع الإلكترونيات، والحوافز الحكومية الداعمة، والقوى العاملة الماهرة والكبيرة، حيث أصبحت الهند موقعًا جذابًا بشكل متزايد لمرافق إنتاج شركة آبل.
وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: كيف حققت الصين هذا النجاح المبهر في تصنيع الإلكترونيات؟
تعد صناعة الإلكترونيات في الصين مثالاً قوياً على التحديث الصناعي السريع. فبسبب استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز تكنولوجيا المعلومات، توسعت هذه الصناعة بشكل كبير بعد تحرير الاقتصاد الصينى. وعلى الرغم من أن ارتفاع تكاليف العمالة، الذي ساعد علي تحسين مستويات المعيشة، إلا أن الصناعة لاتزال تواجه تحديات مثل استغلال العمالة وسوء ظروف العمل.
وبحلول عام 2020، أصبحت الصين أكبر مُصنع في العالم لشاشات الكريستال السائل (LCD) . وأصبحت بعض الشركات المحلية مثل: BOE Technologyو TCL-CSOT و TIANMA و Visionox رائدة لهذه الصناعة على مستوى العالم. وقد لعبت الحكومات المحلية دورًا رئيسيًا في هذا التحول من خلال الاستثمار بكثافة في إنتاج شاشات الكريستال السائل(LCD) من خلال الشركات المملوكة للدولة. وأدى هذا التحول إلى تقليل اعتماد الصين على الواردات وجعل الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية متوفرة بأسعار معقولة، مما أدى إلى نمو الصناعات ذات العلاقة، مثل الهواتف الذكية، وازدهارشركات مثل Huawei و Xiaomi.
ويعكس تحول الصين من مجتمع زراعي مزقته الحروب في عام 1949 إلى قوة تكنولوجية في القرن الحادي والعشرين مزيجًا ديناميكيًا من التخطيط الحكومي وإصلاحات السوق والابتكار الاستراتيجي. لم تخلو هذه الرحلة من الانتكاسات، بدءًا من فشل القفزة الكبرى* إلى المخاوف المستمرة بشأن حقوق العمال. لكن قدرة الصين على التكيف والتطور كانت عاملاً أساسيًا في صعودها الصناعي. ومع استمرارها في دفع حدود التكنولوجيا والنفوذ العالمي، ستظل استراتيجية الصين الصناعية عاملاً أساسياً في تحديد هويتها الوطنية ومكانتها الدولية.
المصادر و الملاحظات
سينغ، ريتو. ”في فيديو عاد إلى الظهور، تيم كوك يشرح سبب تصنيع أبل لأجهزة آيفون في الصين: ‘الحقيقة هي…‘‘ ‘ NDTV، 14 أبريل، 2025
ماثور، براجفي. ”عودة ظهور مقطع فيديو قديم لرئيس شركة آبل تيم كوك يشرح فيه سبب تصنيع الشركات في الصين وسط الحرب التجارية‘‘. WION، 14 أبريل، 2025
* “القفزة الكبرى إلي الإمام”، (The Great Leap Forward)
هي حملة اجتماعية واقتصادية أطلقها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ بين عامي 1958 و1962، وذلك لتحويل الصين بسرعة من مجتمع زراعي إلى دولة صناعية اشتراكية. إلا أن هذه الحملة أدت إلى مجاعة واسعة النطاق، واضطرابات اقتصادية عميقة.