مُلخصٌ فى ثوانٍ:رد فعل الرئيس بايدن لنقص حليب الأطفال: هل هذا النقص مجرد خلل في سلسلة التوريد والتوزيع أم أن هناك شرخ فى نظام الدولة؟ فشل شركة أبوت المصنعة لحليب الأطفال، إخفاق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وجود تفاوت حتى في النقص، إحتكار إنتاج الألبان وتوزيعها، نظرة لبرنامج “الأم-الرضيع-الطفل”(WIC)، واقتراح الجمهوريين لحل مشكلة نقص حليب الأطفال.
في مطلع اليوم الأول من شهر يونيو من هذا العام الماضى* خرج الرئيس جو بايدن من اجتماع عُقد في البيت الأبيض مع خمسة من مُصنعي حليب الأطفال فى الولايات المتحدة. كان الغرض من هذا الإجتماع هو محاولة تهدئة القلق العام بشأن أزمة نقص حليب الأطفال. وعند خروج الرئيس من الإجتماع، قال: “لا أعتقد أن أي شخصٍ توقع أن يؤدى إغلاق منشأة أبوت لتصنيع حليب الأطفال لمثل هذه العواقب”. وبعد وقت قصير من هذا التصريح، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، في محاولة منها “لتوضيح” ماقاله الرئيس، أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بالوضع منذ “اليوم الأول لسحب منتجات أبوت من الأسواق، وذلك منذ شهر فبراير، حتى لو لم يقم أحد بتنبيه الرئيس لذلك حتى وقت قريب”.
خلال إستماعى للرئيس بيدن، والذي كان يحاول تبرير أزمة نقص حليب الأطفال، قلت لنفسى: كيف يحدث هذا في الولايات المتحدة؟ هل هذا مجرد خلل في سلسلة إنتاج أو توريد حليب الأطفال، أم أنها علامة تنذر بخطر وجود تصدع عميق في نظامنا؟
طبقات من ضعف الرقابة والسياسات الفاشلة وانعدام المساءلة: قصة تفتيش مصنع أبوت لإنتاج حليب الأطفال وفشل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية
في أكتوبر من العام الماضى، قام مجهولٌ يعمل بشركة أبوت بتقديم شكوى إلى إدارة الغذاء والدواء (FDA) أشار فيها إلى قلقه من مخالفة القواعد الصحية و التساهل فى الالتزام بقواعد العمل فى منشأة أبوت في ولاية ميتشجان الأمريكية. وأخيراً وبعد مرور عدةأشهر على هذه الشكوى السابق ذكرها، فى شهر فبراير من هذا العام، ظهرت إدارة الغذاء والدواء في مصنع ميشيغان للتحقيق في ادعاءات هذا البلاغ. وفيما بعد بررت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عدم فحصها لهذه الشكوى بشكل أسرع بأن النسخة المطبوعة للشكوى لم تصل للمسئولين بالإدارة حتى شهر فبراير 2022. وكان السبب الذى قدموه لهذا التأخير هو أن الشكوى تُركت فى غرفةالبريد الخاصة بإدارة الغذاء والدواء ولم تسلم لقيادات الإدارة حتى ذلك الوقت.
وبعد إكتمال فحص منشأة أبوت، وصف مفوض إدارة الغذاء والدواء، روبرت كليف، أثناء شهادته أمام لجنة فرعية فى مجلس النواب حول نقص حليب الأطفال، مصنع ميتشيغان بأنه “غير صحي بشكل فاضح”. وأبلغ عن نمو البكتيريا الضارة في عدة مواقع بالمنشأة، ووجود شقوق في المعدات الرئيسية، وتسريبات من السقف، ووجود ماء راكد، بالإضافة إلى عدم إلتزام العاملين بغسل اليدين بشكل كاف. وأضاف كليف أن نتائج التفتيش كانت مروعة.
بالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير أن مفتشى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وجدوا خمس سلالات مختلفة من بكتريا كرونوباكتر-Cronobacter في المنشأة، وهي بكتيريا يمكن أن تسبب عدوى خطيرة فى الدم. وكشفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أن أربعة أطفال، ممن تناولوا مسحوق الحليب من مصنع أبوت فى ميتشيغان، أصيبوا بالمرض وتم نقلهم إلى المستشفى بسبب عدوى كرونوباكتر، وتوفي اثنان منهم لاحقًا. وفي فبراير من هذا العام، تم إغلاق مصانع أبوت فى ولاية ميتشيجان، وهى الشركة الشهيره المصنعة لحليب الأطفال، كما تم سحب منتجاتها من حليب الأطفال من الأسواق الأمريكية. وفيما بعد، نفت شركة أبوت أي صلة بين منتجات الألبان الخاصة بها وبين والأمراض التي أصابت الأطفال ببكتيريا كرونوباكتر.
أدى إغلاق مصنع ميتشيغان إلى تفاقم مشكلة نقص حليب الأطفال والتى كانت تعاني بالفعل من مشاكل التوريد المرتبطة بوباء كورونا. أضف لذلك أن سحب شركة أبوت لمنتجاتها من حليب الأطفال من الأسواق أدى إلى إثارة الذعر وتسارع عمليات الشراء والتخزين، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم نقص الحليب الاصطناعي في جميع أنحاء البلاد.
التفاوت في نقص حليب الأطفال:
لم تصب أزمة حليب الأطفال جميع الأطفال الأمريكيين بشكل متساوي. فقدأثر هذا النقص بشكل كبير على الأسر الفقيرة. من المعروف أن الكثير من الأمهات السود يعشن عند حدالفقر أو تحته، ومن المرجح أنهن يُضطرن للعودة إلى العمل بعد وقت قصير من الولادة، وذلك مقارنة بالأمهات البيض. وأضف الى ذلك أن هؤلاء الأمهات السود لديهن مرونة أقل في أماكن عملهن لا تسمح لهن بضخ الحليب وحفظة وذلك لاستخدامه فيما بعد لإطعام أطفالهن. ووفقًا لتقرير عام 2019 الصادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها(CDC) ، فإن معدلات الرضاعة الطبيعية بين الأطفال السود أقل من معدلاتها بين الأطفال البيض.
أضف إلى ذلك التفاوت في توزيع حليب الأطفال الذي نتج عن برنامج “الأم-الرضيع-الطفل” (WIC)، وهو برنامج يهدف إلى مساعدة النساء من ذوى الدخل المنخفض، وكذلك الرضع والأطفال. وفى إطار هذا البرنامج يتم التعامل مع ما يقرب من نصف حليب الأطفال في الولايات المتحدة. ويحصل نصف الأطفال المستفيدين من برنامج الأم-الرضيع-الطفل (WIC)، على الحليب الخاص بهم من مصانع أبوت. وحيث أن القانون يعطى لكل ولاية أمريكية الحق فى تعاقدات حصرية للحليب الذي يوفره برنامج الأم-الرضيع-الطفل (WIC)، فإن أي نقص في أرسال البان الأطفال للولاية سيتسبب فى مشاكل صعبة للأسر التى تحاول إطعام أطفالها.
كيف أدى احتكار صناعة حليب الأطفال فى الولايات المتحدة للمشاكل التى تعانى منها الأسر الأمريكية:
في رسالة حديثة إلى وزير الزراعة الأمريكية، قالت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى أن “صناعة حليب الأطفال قد وصلت إلى مستوى ينذر بالخطر بسبب إحتكار تصنيعها من قبل مجموعة محدودة من الشركات”. فبعد عقود من إندماج الشركات المنتجة لألبان الأطفال فى الولايات المتحدة، أصبح لدينا أربع شركات فقط تحتكر هذه الصناعة، وهى: أبوت، بيريجو، نستله إس إيه، وميد جونسون. هذة الشركات الأربع تتحكم في 90٪ من إمدادت الولايات المتحدة من البان الأطفال. هذا النوع من التركيز في السوق الأمريكية ترك القليل من المرونة عند حدوث أى خطأ ما. والنقص الحالي دليل مؤلم على ذلك. أضف إلى ذلك دور برنامج الأم-الرضيع-الطفل (WIC) في خلق احتكارات على مستوى الولايات. جعلت هذه الإحتكارات من الصعب على العلامات التجارية الأخرى اقتحام السوق.
وهناك صعوبات كثيرة تواجة أى شركة جديدة تحاول المنافسة على حصة من سوق ألبان الأطفال. هذة الصعوبات ناتجة عن: هيمنة الشركات الحالية على سوق ألبان الأطفال بشكل غير خاضع للرقابة، إضافة إلى العقود الإحتكارية لبرنامج الأم-الرضيع-الطفل (WIC)، واللوائح القاسية لإدارة الغذاء والدواء (FDA). كل هذا أدى لخلق حواجز عالية أمام الراغبين فى تصنيع البان الأطفال أو التجارة فى هذه المنتجات.
كيف تصبح جزءًا من المشكلة؟
في محاولة لحل مشكلة النقص فى ألبان الأطفال، صرح عددُ من الجمهوريين أن مشكلة النقص ناجمة عن إرسال إدارة بايدن حليب الأطفال لإطعام أطفال المهاجرين غير الشرعيين على الحدود المكسيكية. فى المقابل، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن كمية حليب الأطفال المشتراة للمهاجرين “تعادل إحصائيًا صفرًا من حيث حصتها في السوق”.
خلال فترة إعدادى لهذا المقال، كان السؤال التالى يُلح على: “لماذا يعاني الأطفال في أقوى وأغنى دولة في تاريخ البشرية من سوء التغذية بل ويموت البعض منهم من الجوع؟”. لا أعرف ماهى الإجابة عن هذا السؤال، لكني أتمنى أن يكون السبب هو مجرد خلل في سلسلة الإنتاج والتوريد وليس شرخاًغير مرئي في نظام جمهوريتنا.
المصادر:
بكتيريا كرونوباكتر: هي بكتيريا عصوية، سالبة لصبغةجرام، مسئولة عن حالات عدوى خاصةً بين مستخدمي حليب الأطفال المجفف. لاتشكل العدوى بهذه البكتريا تهديداً لحياة البالغين. ولكن تم ربط العدوى بها عند الرضع بتسمم الدم الجرثومى وبالإلتهاب السحائى والإلتهاب الناخر للأمعاء والقولون وكذلك لإرتفاع معدل الوفيات.
نقص حليب الأطفال في الولايات المتحدة، ما سببه، وما الذي يمكن للأسرة ان تفعله؟
بقلم: إيريك برجر؛ جريدة الجارديان، الأربعاء 18 مايو 2022، 12.34 بتوقيت شرق الولايات المتحدة
كيف فشلت احتكارات الولايات المتحدة الأمريكية في تلبية إحتياجات الأطفال
بقلم: ماديسون مولر وليا نيلن؛ بلومبرج، 20 مايو 2022، 5:00 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة
بايدن يقول إنه لم يتم تنبيهه إلى نقص حليب الأطفال حتى شهر أبريل. بينما كانت الشركات تعرف “منذ البداية”
بقلم جوي جاريسون وريبيكا مورين ؛ مجلة الولايات المتحدة اليوم، تم النشر في 1 يونيو 2022 – 11:59 صباحًا بالتوقيت الشرقي وتم تحديثه في 2 يونيو 2022 – 10:43 بالتوقيت الشرقي
شهادة رئيس إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للكونجرس
بقلم: سبنسر كيمبال. CNBC ، تم النشر في الأربعاء 25 مايو 2022 10:42 صباحًا ED
* نُشر هذا المقال في يونيو 2022 في مدونتي السابقة “إسلامي”.