ملخص في ثوانٍ: نعرف الضوء كشيء مألوف يساعدنا على الرؤية ويملأ حياتنا بالألوان. لكن عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق1، يمكن أن يتصرف الضوء بطرق قد تبدو أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الحقائق العلمية. إذ تستطيع جسيماته الأساسية (الفوتونات) أن تتجمع معاً لتكوّن حالة جديدة وغريبة، تشبه سائلًا يتدفق مثل الشبح.
الضوء واحد من أكثر الظواهر ألفةً في حياتنا اليومية، ومع ذلك تبقى حقيقته العميقة أحد أعقد ألغاز الفيزياء. فالضوء في جوهره موجة كهرومغناطيسية لا تحتاج إلى وسط لتنتقل فيه، إذ يمكنها الانتشار بحرية عبر فراغ الفضاء. لكنه أيضاً يحمل ازدواجية مدهشة: ففي بعض الأحيان يتصرف كموجة تنتشر وتتداخل، وفي أحيان أخرى يتصرف كجسيمات منفصلة تُعرف بالفوتونات، وهي حزم من الطاقة. تكمن هذه الازدواجية الموجية–الجسيمية في قلب الفيزياء الحديثة، وتزداد إثارة حين نطرح السؤال: ماذا يحدث للضوء عند الصفر المطلق؟
الضوء من أبسط الظواهر التي نراها في حياتنا اليومية، ومع ذلك فهو من أعقد أسرار الفيزياء. فالضوء في جوهره موجات كهرومغناطيسية تتحرك في الفراغ دون حاجة إلى وسط لتنتقل فيه، إذ يمكنها الانتشار بحرية كما يحدث في الفضاء. لكنه في الوقت نفسه يتصرف كجسيمات صغيرة جداً تُسمّى فوتونات، وهي حزم دقيقة من الطاقة. هذا الازدواج بين كونه موجة وجسيماً في آنٍ واحد هو أساس الفيزياء الحديثة، وتزداد درجة الإثارة حين نتساءل: ماذا يحدث للضوء عند درجة الصفر المطلق؟
ما هو الصفر المطلق؟
الصفر المطلق (0 كلفن أو –273.15 درجة مئوية) هو أدنى درجة حرارة يمكن الوصول إليها في الكون. عندها تتوقف الجسيمات تقريباً عن الحركة وتدخل في حالة سكون تام. لم يصل العلماء إلى الصفر المطلق تماماً، لكنهم اقتربوا بما يكفي لاكتشاف حالات غريبة من المادة لا تظهر إلا في هذا العالم المتجمد.
إحدى هذه الحالات تُعرف بإسم “مكثف بوز–آينشتاين” (BEC)، وهي حالة تنبأ بها ألبرت آينشتاين2 وساتيندرا بوز3عام 1924. في هذه الحالة تتوقف الجسيمات عن التصرف بشكل منفرد، وتذوب هوياتها لتصبح كلها جسيمًا واحدًا ضخماً يتصرف كوحدة متماسكة (جسيم فائق) 4. وقد تمكن العلماء لأول مرة من صنع هذه الحالة في المختبر عام 1995 باستخدام غازات شديدة البرودة. وكان الاعتقاد السائد أن الضوء لا يمكن أن يدخل في هذه الحالة لأن الفوتونات (جسيمات الضوء) عديمة الكتلة وتختفي عند تبريدها.
هل يمكن للضوء أن يتكثف؟
المفاجأة جاءت عام 2010، عندما نجح فريق من جامعة بون الألمانية في حبس الضوء داخل تجويف صغير تحيط به مرايا مملوءة بجزيئات صبغية خاصة. كان الفوتون يرتد بين المرايا، ويخسر طاقة في كل مرة عبر التفاعل مع الصبغة، فيبرُد تدريجياً لكنه يظل محصوراً. وهكذا، ولدهشة الجميع، تكثف الضوء – ليس عند الصفر المطلق، بل عند درجة حرارة الغرفة!
وقد وُصفت هذه الحالة الجديدة من المادة بأنها “فوتون فائق5“: أى عددٌ هائل من الفوتونات يعملوا معاً كما لو كانوا موجة واحدة ضخمة ومنسجمة. لقد غير هذا الاكتشاف الفكرة القديمة بأن الضوء لا يمكن أن يتكثف، وأظهر بوضوح أن الضوء يجمع بين صفتي الجُسيم والموجة بطريقة فريدة.
الضوء كسائل – ثم ماذا بعد ذلك؟
إذا كان الضوء يستطيع أن يتكثف في درجة حرارة الغرفة، فمن المنطقي أنه عند الاقتراب من الصفر المطلق سيظهر الضوء بشكل أوضح كسائل كمي غريب. وفي هذه الحالة لن يقتصر الضوء على الإضائة أو الإنعكاس، بل سيتدفق كما يتدفق السائل، وتتحرك الفوتونات كلها في انسجام تام.
وتشير أبحاث نظرية حديثة – مثل تلك التي أجراها أليكس كروتشكوف6 في المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان7 – إلى أن الفوتونات يمكن التحكم بها في بعد واحد فقط، مما قد يفتح الباب لتقنيات جديدة في مجال الحوسبة الكمية8، حيث تُعالج المعلومات وتُنقل بكفاءة غير مسبوقة.
أين تكمن أهمية هذا الأمر؟
إن تكاثف الضوء في حالة بوز–آينشتاين يكشف لنا أن أبسط الظواهر التي نعرفها يمكن أن تتغير بشكلٍ جذري عند دفعها إلى أقصى الحدود. فعندما نبرّد الضوء ليتصرف كمادة ملموسة، نفتح الباب أمام أساليب حديثة للتحكم فيه، وبالتالي لتقنيات جديدة ثورية – من إجيال متقدمة من أجهزة الليزر إلى الكومبيوترات الكمية القادرة على أداء لا مثيل له.
إذن، هل يمكن للضوء أن يصبح سائلاً عند الصفر المطلق؟ الجواب: نعم، من حيث المبدأ. ففي ظروف معينة، يمكن للفوتونات أن تندمج في كيان كمي واحد، أقرب إلى سائل متدفق موحّد وليس مجرد أشعة طاقة. إنها تذكرة بأن الكون ما زال يخفي أسراراً مذهلة، حتى في أكثر ما نعتبره بديهياً: الضوء الذي يملأ أعيننا كل يوم.
الملحوظات
1. الصفر المطلق
أبرد درجة حرارة يمكن الوصول إليها في الطبيعة، حيث تتوقف حركة الجسيمات تقريبًا تمامًا.
2. ألبرت أينشتاين
عالم فيزياء ألماني الأصل وضع نظرية النسبية وغيّر فهمنا للزمان والمكان.
3. ساتيندرا ناث بوز
فيزيائي هندي ساعد في تأسيس نظرية تشرح سلوك بعض الجسيمات الغريبة المسماة “بوزونات”.
4. الجسيم الفائق
جسيم تخيلي يظهر عندما تتصرف مجموعة كبيرة من الجسيمات كما لو كانت جسيمًا واحدًا.
5. الفوتون الفائق
حالة خاصة يتصرف فيها عدد كبير من الفوتونات (جسيمات الضوء) كأنها فوتون واحد ضخم.
6. ألكس كروتشكوڤ
عالم فيزياء يدرس تكاثف الضوء وسلوك الجسيمات في الأنظمة الكمية.
7. المدرسة الفدرالية البوليتقنية في لوزان (EPFL)
جامعة سويسرية مرموقة متخصصة في العلوم والهندسة والتكنولوجيا.
8. الحوسبة الكمية
نوع جديد من الكومبيوترات (الحواسيب) ةستخدم قوانين ميكانيكا الكم لحل مسائل معقدة بسرعة هائلة مقارنة بالكومبيوترات التقليدية.
المصادر
* “لايت”. ويكيبيديا، 4 ديسمبر 2023.
https://en.wikipedia.org/wiki/Light
* كروتشكوف، أليكس. “تكاثف بوز-أينشتاين أحادي البعد للفوتونات في أنبوب دقيق.” المراجعة الفيزيائية ، 11 أبريل 2016.
https://journals.aps.org/pra/abstract/10.1103/PhysRevA.93.043817
* موسكويتز، كلارا. “تبين أن “أكبر خطأ فادح” لأينشتاين كان صحيحًا.” Space.com، نوفمبر، 2024.
https://www.space.com/9593-einstein-biggest-blunder-turns.html
* دوان، دانيال. “رصد الضوء السائل في درجة حرارة الغرفة للمرة الأولى.” Labroots، 26 يونيو 2025.