21# – “من أين جاءت الديناصورات؟” – يونيو 21، 2025

ملخص في ثوانٍ:  تشير دراسة جديدة إلى أن الديناصورات ربما نشأت أولاً في المناطق الحارة ومنخفضة العرض الجغرافي في قارة جوندوانا القديمة1 – وهي مناطق تشمل اليوم غابات الأمازون، حوض الكونغو، وصحراء الصحراء الكبرى – وذلك قبل وقت طويل من أقدم الحفريات المعروفة حاليًا. وباستخدام نماذج علمية لتجاوز فجوات السجل الأحفوري، يقترح الباحثون أن الديناصورات المبكرة كانت كائنات صغيرة وقابلة للتكيّف، صعدت لاحقًا إلى الهيمنة بعد انقراض جماعي هائل.

العلماء يقتربون من حل اللغز

لطالما أثارت أصول الديناصورات – سادة الأرض في عصور ما قبل التاريخ – فضول العلماء وأسر خيال العامة. والآن، تطرح دراسة جديدة فرضية مثيرة تعيد النظر في الفرضيات التقليدية بشأن أول ظهور لهذه الكائنات العجيبة.

فعلى الرغم من أن أقدم حفريات الديناصورات المعروفة تم اكتشافها في أماكن مثل الأرجنتين والبرازيل وزيمبابوي، تشير الأدلة الحديثة إلى أن أسلافها الأوائل قد ظهروا في مناطق استوائية من الأرض القديمة – وهي المناطق التي تشكل اليوم غابات الأمازون، وحوض الكونغو، وصحراء الصحراء الكبرى.

إعادة التفكير في السجل الأحفوري

تعود أقدم حفريات الديناصورات المؤكدة إلى نحو 230 مليون سنة، ولكن التنوع بين هذه الأحافير يوحي بأن تطوّر الديناصورات بدأ قبل ذلك بزمن طويل. هذا الفارق الزمني يشير إلى وجود فصل مفقود في سجل التطوّر.

وقد استخدمت الدراسة، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Current Biology ،نماذج علمية متقدمة لمعالجة النقص في السجل الأحفوري. قاد الباحثون – يتقدّمهم جويل هيث من كلية لندن الجامعية – تحليلاً شمل بيانات أحفورية، وعلاقات تطوّرية، وأنماط جغرافية قديمة. وبدلاً من افتراض أن الديناصورات لم تكن موجودة في المناطق الخالية من الأحافير، اعتُبر أن هذه المناطق ببساطة لم تُستكشف جيدًا بعد.

يقول هيث: “رغم وفرة الدراسات حول الديناصورات، لا نزال نجهل من أين جاءت. السجل الأحفوري مليء بالثغرات، ولا يمكننا الاعتماد عليه بالكامل.”

مهد الديناصورات: جوندوانا الاستوائية

تشير نتائج الدراسة إلى أن أقدم الديناصورات نشأت على الأرجح في المناطق الغربية والمنخفضة من جوندوانا، وهي منطقة كانت حارة وجافة خلال أواخر العصر الترياسي2، وتشبه في طبيعتها الحالية الصحارى أو السافانا.

ورغم هذه الفرضية، لم يُعثر بعد على حفريات مبكرة للديناصورات في مناطق الأمازون أو وسط إفريقيا. ويُرجع الباحثون ذلك إلى صعوبة الوصول إلى هذه المناطق ونقص البعثات البحثية فيها.

الديناصورات في ظلال الزواحف العملاقة

في أواخر العصر الترياسي، لم تكن الديناصورات هي الكائنات السائدة، بل كانت جزءًا بسيطًا من نظام بيئي واسع تهيمن عليه زواحف أخرى مثل الـ”بسودوسوكيان3” – أسلاف التماسيح الحديثة – التي وصل طول بعضها إلى 10 أمتار.

وظهرت خلال تلك الفترة الزواحف الطائرة المسماة بـ”التيروصورات4“، والتي كانت أول الفقاريات التي تطوّرت لديها القدرة على الطيران الحقيقي. لاحقًا، تطورت بعض أنواعها إلى حجم يقارب أجنحة الطائرات الحربية.

أما الديناصورات الأولى، فكانت صغيرة الحجم، لا تتعدى حجم دجاجة أو كلب متوسط، وكانت تمشي على قدمين وتتمتع بقدرة على الحركة السريعة. وغالبًا ما كانت من آكلات اللحوم والنباتات (قارتة). وربما ساعدها هذا الحجم الصغير ومرونتها البيئية على النجاة في بيئات حوندوانا القاسية.

كارثة قلبت الموازين

لمدة ملايين السنين، بقيت الديناصورات في المرتبة الثانية بعد زواحف أكثر تفوقًا. ولكن قبل نحو 201 مليون سنة، أدت سلسلة من الانفجارات البركانية الهائلة إلى حدوث انقراض جماعي أنهى العصر الترياسي، ممهّدًا الطريق لهيمنة الديناصورات.

ومع تغيّر البيئة، توسّعت الديناصورات نحو الجنوب إلى الأرجنتين وزيمبابوي، وشمالًا إلى قارة “لوراسيا5“—التي تفككت لاحقًا لتكوّن أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية.

وتدعم الأحافير المكتشفة في لوراسيا الشمالية نظرية الأصل الجوندواني، حيث وُجدت فيها كائنات قريبة الصلة بالديناصورات، مثل الزواحف التمساحية الشكل.

حل لغز تطوّر الديناصورات

من أبرز نتائج الدراسة تحليل العلاقات التطورية بين الديناصورات وأسلافها الزواحف. إحدى الفرضيات الجديدة تشير إلى أن مجموعة “السيلسوريدات6“، التي كانت تُعتبر سابقًا أقرباء بعيدين، قد تكون أسلافًا مباشرة للديناصورات ذات الورك الشبيه بالطيور، المعروفة باسم “أورنيثيسكيان 7“.

هذه المجموعة تشمل أنواعًا معروفة مثل “ستيجوصور8” و”ترايسيراتوبس9“. وإن ثبتت هذه الفرضية، فإنها قد تملأ فراغًا كبيرًا في شجرة تطوّر الديناصورات، وتفسّر غياب هذه الأنواع من أقدم الطبقات الأحفورية.

التكيّف المناخي وأسرار البقاء

تكشف الدراسة كذلك كيف استطاعت الديناصورات التكيّف مع مناخات متباينة عبر العصور. ويبدو أن أنواعها الأولى كانت ملائمة للبيئات الحارة والجافة، لا سيما الصنف المعروف بـ”سوروبودا10” مثل “برونتوصور11” و”ديبلودوكوس12“، التي ظلّت متمركزة في المناطق الدافئة طيلة فترة وجودها.

أما الثيروبودات13، مثل (T. rex)، وأسلاف الطيور، والديناصورات “الأورنيثيسكية”، فقد طوّرت على الأرجح القدرة على توليد الحرارة الداخلية، ما أتاح لها غزو البيئات الباردة، بما في ذلك المناطق القطبية في العصر الجوراسي14.

وقد تكون هذه القدرة على التكيّف المناخي أحد أسرار بقاء الديناصورات وهيمنتها على اليابسة لما يزيد عن 135 مليون سنة.

البحث مستمر

على الرغم من قوة النموذج الجديد، لا تزال الأحافير المباشرة من غوندوانا الاستوائية مفقودة. وربما تحمل بعثات مستقبلية إلى الأمازون والكونغو والصحراء الكبرى مفاتيح الفصل الأول من قصة الديناصورات.

إذا كانت هذه المناطق هي بالفعل مهد الديناصورات، فإن حفرياتها قد لا تزال مخبّأة تحت الغابات المطيرة الكثيفة أو تحت رمال الصحارى المتحرّكة – بانتظار أن تُعيد كتابة بداية القصة.

ومع تطوّر علم الحفريات والتكنولوجيا، تواصل قصة نشأة الديناصورات تكشّفها شيئًا فشيئًا. وتُذكّرنا هذه الدراسة بأن العلم ليس إلا سردية متجددة، وأن أعظم الاكتشافات ربما لم تأتِ بعد.

المراجع

سانجانا جاجبيه، “من أين جاءت الديناصورات؟ العلماء يقولون إنهم اكتشفوا ذلك”، Earth.com، 1 يناير https://www.pinterest.com/pin/367113807143208723/ 2025.

هيث، جويل وآخرون. “معالجة تباين العيّنات الأحفورية تشير إلى أصل منخفض العرض الجغرافي للديناصورات،Current Biology، المجلد 35، العدد 5، 10 مارس 2025، ص 941-953.

الملحوظات:

1. جوندوانا: قارة عملاقة قديمة تشمل اليوم أمريكا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا والهند والجزيرة العربية.

2. العصر الترياسي المتأخر: امتد بين 237 و201.4 مليون سنة مضت.

3. بسودوسوكيان: زواحف تشبه التماسيح، تضمّ أسلاف التماسيح الحديثة.

4. التيرانوصور ريكس: ديناصور عملاق من آكلى اللحوم ذو فكّين قويين وساقين صغيرتين.

5. لوراسيا: القارة الشمالية القديمة التي شملت أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية.

6. سيلسوريدات: زواحف قريبة من الديناصورات، ربما تكون أسلافًا لمجموعة “أورنيثيسكيان”.

7. أورنيثيسكيان: ديناصورات ذات حوض شبيه بالطيور، أغلبها نباتي.

8. ستيجوصور: ديناصور ذو صفائح ظهرية بارزة وذيل مدبّب.

9. ترايسيراتوبس: ديناصور بثلاثة قرون ودرع عظمي خلف الرأس.

10. سوروبودا: فرع تطوري من الديناصورات  الضخمة آكلة الأعشاب ذات الأعناق الطويلة، تتميز بأجسام هائلة وأرجل تشبه الأعمدة وذيول طويلة، ويعتبر من أكبر الحيوانات التي عاشت على اليابسة على الإطلاق.

11. برونتوصور: ديناصور ضخم عاشب من العصر الجوراسي.

12. ديبلودوكوس: ديناصور نباتي ضخم،  طويل الرقبة والذيل، ينتمي لعصر الجوراسي.

13. الثيروبودات: مجموعة من الديناصورات ثنائية الحركة، كانت في الغالب آكلة للحوم، وتضم أنواعًا مثل التيرانوصور ريكس وأسلاف الطيور الحديثة.

14. العصر الجوراسي: فترة زمنية امتدت بين 201 و145 مليون سنة، ازدهرت فيها الديناصورات.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك