20# – هل هناك حياة خارج الأرض؟ (الجزء السادس): الحياة في مجموعتنا الشمسية. ثانياً: أقمار الكواكب الغازية العملاقة – مايو 21، 2025

ملخص في ثوانٍ: في إطار التعرف علي فرص الحياة في مجموعتنا الشمسية، عرضت في المقال السابق (الجزء الخامس) من هذه السلسلة مسألة قابلية الحياة على كوكبين رئيسيين (الزهرة والمريخ) وكوكب قزم (سيريس). وفي هذه المقال، سأواصل البحث عن صلاحية الحياة في مجموعتنا الشمسية، مع التركيز هذه المرة على سبعة عوالم محيطية – أقمار الكواكب الغازية العملاقة في نظامنا الشمسي: عمالقة الغاز: يوروبا، جانيميد، كاليسيو، آيو، تيتان، إنسيلادوس، وتريتون – ومايمكن توقعة في مقالنا القادم.

البحث عن الحياة في نظامنا الشمسي

قمت بسرد عددًا من الأجرام السماوية التي قد تحتوي على حياة إما الآن أو في وقت سابق من تاريخها. تتضمن هذه القائمة كوكبين رئيسيين (الزهرة والمريخ) وكوكب قزم (سيريس)، وقد عرضت ذلك في مقالي السابق (الجزء الخامس). لكني في هذا المقال، أعتزم عرض الأقمار السبعة التي تدور حول ثلاثة كواكب غازية عملاقة: المشتري (يوروبا، جانيميد، كاليسيو، وآيو)، وزحل (تيتان وإنسيلادوس)، ونبتون (تريتون).

عوالم المحيطات السبعة، أقمار الكواكب الغازية العملاقة:

هناك سبعة أقمار تدور حول ثلاثة من عمالقة الكواكب الغازية في نظامنا الشمسي – المشتري وزحل ونبتون – وتعتبر هذه الأقمار أماكن محتملة للحياة. وفيما يلي قائمة بهذه الكواكب الغازية العملاقة وأقمارها السبعة:

أولاً: كوكب المشتري

1. يوروبا

يوروبا هو أحد أقمار كوكب المشتري، وهو واحدٌ من أكثر الأماكن الواعدة في النظام الشمسي للبحث عن حياة خارج الأرض. تحت قشرته الجليدية يوجد محيط عميق قد يحتوي على ضعف كمية المياه الموجودة في جميع محيطات الأرض، ومياه هذا المحيط تبقى في حالة سائلة بشكلٍ دائم بفعل الحرارة الناتجة عن قوى المد والجزر التي تسببها جاذبية كوكب المشتري القوية1. ومن المحتمل أن هذا المحيط يحتوي على عناصر أساسية مثل الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين والفوسفور والكبريت – وهي عناصر أساسية للحياة. التفاعل بين المحيط وقاعه الصخري قد يعطي الفرصة لعمليات كيميائية مشابهة لتلك الموجودة حول فتحات المياه الحرارية2 في أعماق البحار على الأرض، حيث تزدهر الحياة دون الحاجة لضوء الشمس. ويمتلك يوروبا أيضاً مصادر أخرى للطاقة، مثل التسخين المدّي وربما النشاط الحراري المائي، في حين أن الإشعاع القادم من المشتري قد يخلق مواد مؤكسدة على السطح يمكنها أن تختلط بالمحيط. ومن المحتمل أن قشرته الجليدية السميكة تحمي المحيط من الإشعاع الضار، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا للحياة.

في عام 2024، أطلقت ناسا “يوروبا كليبر3” لدراسة غلاف يوروبا الجليدي ومكونات سطحه ورصد أعمدة المياه المتصاعدة منه، وذلك بهدف تقييم صلاحيته للحياة. ورغم أن التحديات مازالت قائمة، إلا أن المحيط العميق الموجود تحت سطح يوروبا ومصادر الطاقة المحتملة تجعل يوروبا واحدًا من أفضل الأماكن للبحث عن الحياة، ومن المتوقع أن تقدم البعثات المستقبلية المزيد من الإجابات.

2. كاليستو

كاليستو هو أحد أكبر أقمار المشتري ويعتبر مرشحًا محتملاً لاستضافة الحياة بسبب خصائصه الفريدة. ويعتقد العلماء أنه قد يحتوي على محيط من المياه السائلة تحت قشرته الجليدية، ويعتقد أن مياه هذا المحيط تبقى دافئة بفعل الحرارة الناتجة عن الاضمحلال الإشعاعي. كما أن بعده عن المشتري يعني أنه يتعرض لقدر أقل من الإشعاع الضار، مقارنة بأقمار المشتري الأخرى. ومع ذلك، يواجه كاليستو تحديات كبيرة لدعم الحياة. فسطحه بارد للغاية، حيث يبلغ متوسط درجة حرارته حوالي -139 درجة مئوية (-218 درجة فهرنهايت)، وغلافه الجوي الرقيق، المكون في الغالب من ثاني أكسيد الكربون، لا يوفر حماية تذكر من الإشعاع الفضائي أو الشهب.

 .3جانيميد
يعتبر جانيميد، أكبر أقمار المشتري، مرشحًا مثيرًا للاهتمام عند البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض. على الرغم من عدم العثور على حياة هناك حتى الآن، إلا أنه يتمتع بميزات تجعله مثيرًا للاهتمام بالنسبة للعلماء. على سبيل المثال، يمتلك جانيميد محيطًا ضخمًا تحت سطحه يحتوي على مياه أكثر من جميع محيطات الأرض مجتمعة. كما أنه يحصل على الطاقة من قوى المد والجزر والتفاعلات الكيميائية. وتعتبر جانيميد القمر الوحيد الذي يمتلك مجالًا مغناطيسيًا خاصًا به، مما قد يحميه من إشعاع المشتري القوي، مما يخلق بيئة أكثر أمانًا للحياة. وتشير الملاحظات إلى أن محيطه الموجود تحت السطح يحتوي على أملاح، مما يجعله مشابهًا لمحيطات الأرض ويزيد من فرص حدوث تفاعلات كيميائية قد تدعم الحياة. ومع ذلك، يواجه جانيميد تحديات كبيرة: حيث أن سطحه بارد للغاية، حيث تبلغ درجة حرارته حوالي -160 درجة مئوية (-256 درجة فهرنهايت)، ويتعرض باستمرار للإشعاع من المشتري، مما يجعل من غير المحتمل وجود حياة على سطحه.

4. آيو

آيو هو أحد أكبر أقمار المشتري ويواجه العديد من التحديات التي تجعله غير قادر على دعم الحياة على سطحه. بسبب قربه من المشتري، يتعرض لقوى مد وجزر شديدة القوة، مما يؤدي إلى نشاط بركاني كثيف يغطي سطحه بسليكات ومواد كبريتية. الغلاف الجوي الرقيق للقمر آيو، والمكون في معظمه من ثاني أكسيد الكبريت، أضعف بكثير من أن يدعم الحياة كما نعرفها. كما يتعرض القمر أيضًا لإشعاع مكثف من الغلاف المغناطيسي للمشتري، وبدون وجود مجال مغناطيسي لحمايته، فإن البيئة على سطحه لا تصلح للحياة كما نعرفها. سطح آيو مغطى بالحمم البركانية المنصهرة ورواسب الكبريت ولا يحتوي على مياه في حالة سائلة. ورغم أن الماء قد يوجد تحت سطحه، إلا أنه من غير المحتمل وجود حياة فيها، وذلك بسبب درجات الحرارة العالية وعدم وجود طبقة جليدية عازلة.

على الرغم من ذلك، فإن الكائنات المتطرفة4 على الأرض تُظهر كيف يمكن للحياة أن تتكيف مع الظروف القاسية، لذا فإن أي حياة محتملة على آيو ستحتاج إلى البقاء على قيد الحياة بدون ماء، وتستطيع الازدهار في بيئة غنية بالكبريت والإشعاع الكثيف.

ثانياً: كوكب زحل

1. إنسيلادوس

في عام 2005، حلّقت مركبة الفضاء كاسيني 5التابعة لوكالة ناسا بالقرب من إنسيلادوس، وهو أحد أقمار زحل، واكتشفت أدلة حول إمكانية دعمه للحياة. اكتشفت مركبة كاسيني الفضائية وجود بخار الماء وجزيئات الهيدروجين والميثان والسيليكات وكذلك الجزيئات العضوية المعقدة في الأبخرة المنبعثة من سطح القمر، مما يشير إلى احتمال وجود فتحات مائية حرارية في قاع المحيط2، مماثلة لتلك الموجودة على الأرض والتي تدعم وجود بيئات حيوية لا تعتمد على ضوء الشمس.

يقع إنسيلادوس أيضًا خارج نطاق أحزمة الإشعاع الخاصة بزحل، مما يجعله أقل تعرضًا للإشعاع الضار الذي تتعرض له أقمار أخرى، مثل يوروبا. ومع ذلك، فإن درجة حرارة سطحه شديدة البرودة، حيث تبلغ حوالي -198 درجة مئوية (-324 درجة فهرنهايت)، ولا تزال الظروف الدقيقة في المحيط الموجود تحت سطحه غير مؤكدة.

ويعمل المشرفون على وكالة ناسا الفضائية على إرسال بعثات، مثل بعثة إنسيلادوس أوربيلاندر6، لدراسة الأبخرة المنبعثة من سطح القمر وتقييم قابلية محيطه الخفي لإزدهار الحياة. وبالرغم من أن إنسيلادوس يبدو واعدًا لوجود الحياة، إلا أننا لم نعثر على دليل قاطع لذلك حتى الآن.

2. تيتان

الغلاف الجوي لتيتان مشابه للغلاف الجوي للأرض، لكنه أكثر سمكًا. ورغم أن تيتان أصغر حجمًا من الأرض وذو جاذبية أضعف، إلا أن غلافه الجوي يتكون أساسًا من النيتروجين، ويحتوي على محيط من الماء السائل تحت سطحه الجليدي. وعلى الرغم من أن سطح القمر بارد للغاية، حيث يبلغ متوسط درجة حرارته حوالي -179 درجة مئوية (-290 درجة فهرنهايت)، إلا أن المحيط الموجود تحت سطحه، والذي يحتمل أنه يتكون من الماء والأمونيا، قد يكون داعمًا للحياة. ويوجد على سطح تيتان وفي غلافه الجوي جزيئات عضوية معقدة، وهي اللبنات الأساسية للحياة.

قد وفر مسبار “هويجنز7“، الذي هبط على سطح تيتان في عام 2005، الكثير من المعلومات عنه. وهناك خطط لإرسال رحلات مستقبلية لتيتان، مثل “دراجون فلاي8” التابع لناسا لاستكشاف تيتان وإمكانية وجود حياة عليه. وبالرغم من أن تيتان يفتقر إلى الماء السائل على سطحه، إلا أن هناك فرصة ضئيلة في أنه قد يدعم أشكالًا للحياة تعتمد على الميثان.

3. ديون

ديون هو رابع أكبر أقمار زحل، لكن لم تتم دراسته بالكثافة التي دُرس بها إنسيلادوس أو تيتان. يعتقد العلماء أنه قد يحتوي على محيط من المياه السائلة تحت سطحه الجليدي، يصل عمقه إلى حوالي 100 كيلومتر، وبناءً على بيانات الجاذبية من المركبة الفضائية كاسيني5. يمكن لهذا المحيط، إذا كان موجودًا، أن يدعم الحياة الميكروبية، خاصة إذا كانت هناك فتحات مائية حرارية في قاع المحيط، على غرار تلك المفترضة في إنسيلادوس.

ومع ذلك، يواجه “ديون” العديد من التحديات فيما يتعلق بصلاحيته للحياة. فسطحه شديد البرودة، حيث يبلغ متوسط درجة حرارته -186 درجة مئوية (-302 درجة فهرنهايت)، ويفتقر إلى غلاف جوي سميك للحماية من الإشعاع أو السماح بوجود مياه سائلة على السطح. وعلى عكس إنسيلادوس، وعلى الرغم من أن ديون ليس مرشحًا رئيسيًا للعثور على الحياة، إلا أن المحيط المخفي تحت سطحه يجعله هدفًا مثيرًا للاهتمام للبعثات المستقبلية.

ثالثًا: الكوكب نبتون

1. تريتون

يعتبر تريتون9، وهو أكبر أقمار نبتون، فريدًا من نوعه لأنه يدور في الاتجاه المعاكس لدوران نبتون، وهو ما يُسمى المدار التراجعي10. يعتقد العلماء أن تريتون كان في الماضي كوكبًا قزمًا، مثل بلوتو، وتم التقاطه من حزام كيبر11. تريتون نشط جيولوجيًا، حيث يحتوي على نواة صخرية ومعدنية محاطة بالمياه. تشير الحرارة الناتجة عن التحلل الإشعاعي وقوى المد والجزر إلى أن هناك إمكانية لوجود طبقة من الماء السائل أو محيط تحت سطح الكوكب، مما يزيد من احتمال وجود الحياة عليه.

ويمتلك تريتون غلافًا جويًا رقيقًا يتكون في الغالب من النيتروجين، مع وجود آثار من الميثان، ويُظهر سطحه علامات على وجود البراكين الباردة، حيث تنفجر المواد الجليدية من داخل القمر على السطح. على الرغم من ذلك، فإن تريتون بارد للغاية – حوالي -235 درجة مئوية (-391 درجة فهرنهايت) – وغلافه الجوي الرقيق يجعل من الصعب على الكائنات الحية أن تبقى على قيد الحياة.

في مقالي القادم (الجزء السابع) من هذه السلسلة، سأعرض إمكانية وجود حياة على الكواكب الخارجية12، أو الكواكب الموجودة خارج المجموعة الشمسية.

المراجع والمصادر

1. قوى المد والجزر: الإقمار الموجودة في مدارات حول الكواكب الغازية العملاقة في مجموعتنا الشمسية، تتعرض للتسخين المدّى أو التسخين الناتج عن قوي المد والجزر، حيث تتحول الطاقة الدورانية للقمر من طاقة حركية إلي طاقة حرارية بسبب تغير قوة الجاذبية على جسم القمر. ويحدث ذلك في المدارات البيضاوية، حيث تتغير قوى المد والجزر حسب قرب أو بعد القمر من الكوكب الذى يدور حوله. ويعتبر التسخين المدّى مسؤولاً عن عن النشاط الجيولوجي لغالبية الكواكب النشطة بركانيًا في النظام الشمسي.

2. فتحات المياة الحرارية: هي فتحات تشبه المداخن في قاع المحيط تنفث المياه المعدنية الحارة.  

3. يوروبا كليبر (Europa Clipper) : هو مسبار فضائي طورته وكالة ناسا لدراسة يوروبا، وهو قمر تابع لكوكب المشتري، تم إطلاقه في 14 أكتوبر 2024 ويتوقع وصوله إلي يوروبا في أبريل 2030.

https://europa.nasa.gov/mission/about

4. الكائنات المتطرفة (Extremophiles): أو محب الظروف القاسية هو كائن حي (عادة وحيد الخلية) يعيش في ظروف بيئية قاسية للغاية، مثل الينابيع الساخنة، الجليد، الضغط المرتفع أو درجات الحرارة الشديدة، لمعظم الكائنات الحية الأخرى ويستخدم مواد كيماوية كان يعتقد في يوم ما بانها متناقضة مع الحياة.

5. مركبة الفضاء “كاسيني” (Cassini): مشروع تعاون مشترك بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الإيطالية لإرسال مسبارين (كاسيني وهويجنز) لدراسة كوكب زحل ونظامه، بما في ذلك حلقاته وأقماره الطبيعية.

6. إنسيلادس أوربيلاندر:(Enceladus Orbilander)  خطة مقترحة من وكالة ناسا الفضائية لإرسال مركبة فضاء إلى قمر زحل إنسيلادوس. الخطة تشمل قضاء مركبة إنسيلادوس أوربيلاندر عامًا ونصف العام في الدوران حول إنسيلادوس وأخذ عينات من أعمدة المياه التي تخرج من سطحه وتندفع إلى الفضاء، ثم الهبوط على سطح القمر في مهمة مدتها عامان للبحث عن أدلة على وجود حياة.

https://solarsystem.nasa.gov/studies/222/enceladus-orbiter

7. مسبار هويجنز🙁Huygens)مسبارفضائى هبط بنجاح على تيتان، قمر زحل، في سنة 2005.  تم تصنيعه وتشغيله من قِبل وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وكان جزءًا من مهمة كاسيني-هويجنز (Cassini–Huygens) والتي أصبحت أول رحلة فضائية تهبط على تيتان وأبعد هبوط عن الأرض بواسطة مسبار فضائي على الإطلاق.

8. دراجون فلاى :(Dragonfly) هي مهمة تخطط لها وكالة ناسا الفضائية لإرسال طائرة عمودية آلية إلى سطح تيتان، أكبر أقمار زحل. ومن المقرر إطلاقها في يوليو 2028 ويتوقع وصولها إلى هدفها في عام 2034.

9. تريتون (Triton): هو أكبر الأقمار الطبيعية للكوكب نبتون، وقد سُمي بهذا الإسم نسبة إلي ابن رب البحر والماء بوسيدون، حسب الميثولوجيا الإغريقية.

10. المدار التراجعى: مدار القمر في إتجاة معاكس لدوران الكوكب.

11. حزام كيبر :(Kuiper belt) هو منطقة من مناطق المجموعة الشمسية تتكون من الأجسام المتجمدة والصخور، تمتد من مدار الكوكب نبتون، والذي يبعد 30 وحدة فلكية عن الشمس، إلي حوالي 55 وحدة فلكية بعيدًا عن الشمس. وهو مشابه لحزام الكويكبات الواقع بين كوكبي المريخ والمشتري

12. الكواكب الخارجية  (Exoplanets): هي الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي. وتدور معظم هذه الكواكب حول نجوم أخرى، ولكن بعضها غير مرتبط بأي نجم آخر وتسمى بالكواكب المارقة أو الحرة. ولقد تأكد الفلكيون من وجود أكثر من 5800 كوكب خارجي حتي الآن.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك