الملخص في ثوانٍ: في المقال السابق من هذه السلسلة (الجزء الرابع – الحياة في فناءنا الخلفي)، قمت بسرد عدد من الأجرام السماوية في نظامنا الشمسي التي قد تكون قادرة على استضافة الحياة، إما الآن أو في وقت سابق من تاريخها. تشمل هذه القائمة كوكبين: الزهرة والمريخ؛ سبعة أقمار تدور حول ثلاثة كواكب عملاقة غازية: المشتري (يوروبا، جانيميد، كاليستو، وآيو)، وزحل (تيتان وإنسيلادوس)، ونبتون (تريتون)؛ وكوكب قزم (سيريس) في حزام الكويكبات. وفي هذا المقال، سنتناول الكوكبين الرئيسيين: الزهرة والمريخ، والكوكب القزم سيريس.
أولاً: الكوكبان الرئيسيان
1. الزهرة، هدف مغري
غالبًا ما يُطلق على كوكب الزهرة اسم “شقيقة الأرض”. فكوكب الزهرة يشترك مع الأرض في الحجم ووالمكوناتـ ؛ تركهيكل مشابه، إلا أن سطحه ساخن بما يكفي لإذابة الرصاص،وله غلاف جوي ثقيل بشكل ساحق، وجيولوجيا تغلب عليها المكونات البركانية. ورغم أن الزهرة بدأ قصة حياته بجو مشابه للأرض، وربما كان يحتوي أيضًا على محيطات تغطى مساحات شاسعة من سطح الكوكب. ولكن الكوكبين سلكا مسارين مختلفين تمامًا. ويعتقد العلماء أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي المسؤلة عن تبخرمحيطات كوكب الزهرة وتحويه إلي جحيم دائم – فكوكب الزهرة هو الكوكب الأكثر سخونة في نظامنا الشمسي.
ومع ذلك، فإن لكوكب الزهرة جاذبية لا تقاوم بالنسبة لعلماء الأحياء الفلكية1، فهو يحتوى علي كل المكونات التي قد تكون ضرورية لوجود الحياة. الزهرة هي شقيقة الأرض التى تعرضت لأخطاء بيئية أدت للجحيم الذي نراه الآن علي سطحها، ومن من خلال دراسة ما حدث من أخطاء قد نتعلم ما يلزم للحفاظ على الأرض في المستقبل.
صرحت فيكي ميدوز2: “الزهرة تقدم لنا مثالًا على تطور بديل للكواكب”. وأضافت: “يتضمن مسارالزهرة المختلف ‘فقدان الصلاحية للحياة، وفقدان الماء على السطح، وسحب حمض الكبريتيك، وغلاف جوي كثيف من ثاني أكسيد الكربون'”. “إنها أيضًا تحذير لنا – عن كيف تموت الكواكب الصخرية”.
إن وجود خطوط داكنة في غيوم الزهرة، حيث درجات الحرارة والضغط أكثر ملاءمةً، يثير سؤالاً مثيراً للاهتمام: “هل يمكن أن تكون أشرطة من أشكال الحياة الميكروبية التي تحركها الرياح؟” حتى أن دراسة حديثة3 أشارت إلى وجود علامة واحدة محتملة للحياة: وهي غاز يسمى الفوسفين، في الغلاف الجوي لكوكب الزهرة. هذا الغاز تنتجه البكتيريا على الأرض. حتى الآن، يبقى هذا الاحتمال في خانة “غير محتمل – لكنه ممكن”، كما يقول العلماء؛ فقط المزيد من الدراسات ستوفر لنا إجابة قاطعة.
2. المريخ، ربما كان صالحًا للحياة في الماضي
أكدت عقود من استكشاف المريخ ،من خلال الأقمار الصناعية المدارية ودراسة سطحه بواسطة المركبات الجوالة، أن المريخ كان رطبًا في الماضي. كانت هناك أنهار وبحيرات وربما حتى محيطات، وكان الكوكب صالحًا للحياة مثل الأرض. يعتقد علماء الكواكب4 أن مناخ المريخ كان مشابهًا لمناخ الأرض قبل حوالي 3.5 مليار سنة تقريبًا، مع وجود مياه سائلة على سطحه. ثم جُرِّد من معظم غلافه الجوي بفعل الرياح الشمسية والإشعاع. وتوقفت نواة المريخ ذات النشاط القليل عن توليد مجال مغناطيسي واقي. وأدى ذلك لأن يصبح سطحه بارداً وجافاً بشكلٍ كبير، بالإضافة لتعرضه المستمر للقصف بالإشعاع. ويعتقد بعض علماء الأحياء الفلكية أن شكلًا من أشكال الحياة قد يكون مزدهرًا تحت سطح المريخ أو في القمم القطبية المتجمدة.
وقد أفاد العلماء الذين يعملون مع وكالة الفضاء الأوروبية، ويستخدوا القمر الصناعي المدارى “المريخ إكسبريس” أنهم في صيف عام 2013 اكتشفوا وجود غاز الميثان داخل فوهة بركان يسمي’جيل‘. وفي نفس الوقت تقريبًا، قام مسبار “فضول” (Curiosity) التابع لوكالة ناسا، بقياس زيادة ملحوظة في غاز الميثان في الهواء استمر لمدة شهرين على الأقل5.
3. سيريس، الكوكب القزم
سيريس هو كوكب قزم يقع في حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري. ولفترة طويلة، كان سطحه مرئيًا بالكاد، حتى مع استخدام تلسكوبات قوية. في عام 2015، دخل مسبار ”داون“6 (Dawn) التابع لوكالة ناسا في مدار حول سيريس واكتشف أن سطحه مكون من جليد مائي ومعادن مائية. وفي حين أنه من غير المحتمل أن يكون لسيريس محيط مائي داخلي سائل، إلا أن السوائل الملحية التي تتدفق عبر طبقته الخارجية، يمكنها أن تدعم شكلًا من أشكال الحياة الميكروبية.
ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة للحياة عليه. فسطح هذا الكوكب القزم شديد البرودة، حيث تصل درجة حرارته إلى حوالي -105 درجة مئوية (-157 درجة فهرنهايت)، ويفتقر سيريس إلى غلاف جوي كثيف يحميه من الإشعاع أو يساعد الماء السائل للبقاء على سطحه. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصادر الطاقة مثل النشاط الحراري المائي أو التفاعلات الكيميائية، والتي تعتبر أساسية للحياة، لا تزال غير مؤكدة.
في مقالي القادم، سأتناول الأجرام السماوية المتبقية الصالحة للحياة في مجموعتنا الشمسية، وهي سبعة أقمار تدور حول ثلاثة كواكب غازية عملاقة: المشتري (يوروبا، جانيميد، كاليستو، وآيو)، وزحل (تيتان وإنسيلادوس)، ونبتون (تريتون).
المراجع والمصادر
1. علماء الأحياء الفلكية: العلماء الذين يدرسون كيف تبدأ الحياة.
2. فيكي ميدوز: عالمة أحياء فلكية ترأس مختبر الكواكب الافتراضية في “نظام علوم الكواكب الخارجية” التابع لناسا.
3. غريفز، جاين؛ وآخرون. “غاز الفوسفين في طبقات غيوم الزهرة”. “علم الفلك الطبيعي”، 14 سبتمبر 2020. https://www.nature.com/articles/s41550-020-1174-4
4. فويتيك، ماري؛ بيلينغ، ليندا؛ نيو، م.هـ. “علم الأحياء الفلكية: البحث متعدد التخصصات الذي يوفر رؤية لاستكشاف الكواكب“. ، العلوم الكوكبية، ديسمبر 2009. https://www.researchgate.net/publication/253423575_Astrobiology_Interdisciplinary_Research_Providing_a_Vision_for_Planetary_Exploration
5. “هناك شيء على المريخ ينتج غازًا عادةً ما تصنعه الكائنات الحية على الأرض”. “نيويورك تايمز”، 1 أبريل2019
. https://www.nytimes.com/2019/04/01/science/mars-methane-gas.html
6. “نورثروب جرومان”. “مسبار داون، الابتكارات الهندسية ومركبة الفضاء داون”. نورثروب جرومان، 2025. https://www.northropgrumman.com/space/dawn/