17# – عندما تحكم الصين العالم: صعود المملكة الوسطى ونهاية العالم الغربي لمارتن جاك. (الجزء الثاني): مراجعة وتحليل – 14 نوفمبر، 2025

ملخص في ثوانٍ: يوضح جاك الأسس التاريخية والثقافية لتطور الصين، ويقارنها بمسار الغرب الحديث. ويؤكد أن الصين لطالما نظرت إلى نفسها على أنها “دولة حضارة” وليست مجرد دولة قومية، تملك قيماً وتقاليد وهياكل حكم تختلف عن الديمقراطيات الليبرالية الغربية. يستكشف الكتاب النمو الاقتصادي الاستثنائي للصين، وكيف أن صعودها ليس مجرد بروز قوة عظمى جديدة، بل قد يمثل تحوّلاً حضارياً يعيد تشكيل القواعد والقِيَم الدولية.

المقدمة

يُعدّ كتاب مارتن جاك عندما تحكم الصين العالم عملاً طموحاً ومثيراً، نُشر لأول مرة عام 2009 وتم تحديثه لاحقًا في عام 2012. يتحدّى جاك الرؤية الغربية المهيمنة للتاريخ والجغرافيا السياسية، ويرى أن صعود الصين ليس مجرد حالة أخرى من حالات استبدال قوة عظمى بأخرى (مثل حلول الولايات المتحدة محل بريطانيا)، بل هو تحول تعود من خلاله حضارة ذات تاريخ طويل وتمثّل منظومة قيم وهياكل حكم متميزة. يؤكد جاك أن صعود الصين له جذور عميقة في تاريخها باعتبارها “دولة حضارية”، وليس مجرد دولة قومية، وأن تأثيرها سيعيد تشكيل العالم الحديث بطرق لا يزال الكثيرون يقللون من شأنها.

دروس رئيسية للقراء — خصوصاً من منطقة الشرق الأوسط

1. الحضارة مقابل الدولة القومية

يؤكد جاك أن الصين تعتبر نفسها “دولة حضارية”، ذات استمرارية ثقافية وهوية تاريخية تمتد لآلاف السنين. بالنسبة للقراء في الشرق الأوسط — موطن بعض أقدم الحضارات في العالم — فإن هذا يقدم منظورًا له صدى: يمكن للقوة العالمية أن تنبثق ليس فقط من القوة الاقتصادية أو العسكرية، بل أيضًا من الهوية الحضارية ذات الجذور العميقة.

2. التعددية القطبية ونهاية الهيمنة الغربية

لطالما تَشكّل الشرق الأوسط من خلال تدخلات وديناميكيات القوى الغربية. يشير جاك إلى أن توسع نفوذ الصين قد يؤدي إلى انتقال النظام الدولي من أحادية غربية إلى تعددية تضم الصين إلى جانب القوى الخارجية الأخرى — كالولايات المتحدة وأوروبا. وهذا قد يخلق فرصاً لبلدان الشرق الأوسط لإعادة ضبط تحالفاتها التجارية والدبلوماسية، لكنه قد يثير أيضاً مخاطر تبعية اقتصادية أو سياسية إذا لم تُدار المصالح بحذر.

3. الدروس الاقتصادية

تُظهر تجربة الصين فعالية التخطيط طويل الأمد، والاستثمار في البنية التحتية، مع التركيز على التعليم والتكنولوجيا. وبالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تسعى إلى مستقبل ما بعد النفط، فإن النموذج الصيني للتنمية يحمل دروساً قيّمة يمكن الاستفادة منها.

4. مبدأ عدم التدخل الثقافي أو السياسي في شؤون الدول الأخرى

على عكس القوى الغربية، تؤكد الصين على السيادة وعدم التدخل. وبالنسبة للشرق الأوسط — الذي غالباً ما يكون عالقاً بين الضغوط الغربية والصراعات الداخلية — فإن هذا الموقف يمكن أن يعيد تشكيل العلاقات الدبلوماسية. ومع ذلك، يحذر جاك أيضاً من أن مصالح الصين (الطاقة، والطرق التجارية، والأمن) قد تشكّل نهجها تجاه المنطقة في المستقبل.

5. إمكانية تغيير المعايير العالمية

إذا أصبحت الصين القوة المركزية في العالم، فإن بعض القيم المتعلقة بطرق الحكم وحقوق الإنسان والمؤسسات الدولية قد تعكس الأولويات الصينية بدلاً من المُثل الليبرالية الغربية. وبالنسبة للشرق الأوسط، حيث غالباً ما تصادمت النماذج الليبرالية الغربية مع التقاليد المحلية، فقد يمثل ذلك تحولاً كبيراً في العلاقات الدولية.

أسلوب الكتابة وسهولة التواصل

يكتب مارتن جاك بأسلوب واضح وجذاب، يجمع بين التاريخ والسياسة والاقتصاد والثقافة. وعلى الرغم من تعمق الكتاب في الدراسات الجادة، إلا أنه مكتوب لجمهور واسع ومتعلم وليس للمتخصصين فقط. وقد يجد القراء الذين لا يملكون خلفية في التاريخ الصيني بعض المقاطع صعبة الفهم، لكن المؤلف يربط باستمرار بين الرؤى التاريخية والقضايا العالمية المعاصرة. إن روايته شاملة وتتميز بالثقة بالنفس، وقد تكون مثيرة للجدل في بعض الأحيان، خاصة عندما يتحدى عن عمد الافتراضات الغربية.
أما بالنسبة للقراء في الشرق الأوسط، فإن أسلوبه يجعل الكتاب سهل التناول. وعلى الرغم من أن فهم الكتاب قد يحتاج إلى بعض الخلفية المعرفية عن السياق التاريخي للصين، فإن الرسالة الشاملة للمؤلف — وهي أن العالم يدخل نظامًا حضارياً جديدًا — يتم نقلها بطريقة سهلة ومثيرة للتفكير.

تقييم عام للكتاب

يتميز هذا الكتاب بالإثارة والطموح، ويضيف إطارًا جديدًا عند التفكير في صعود الصين. إن مفهومه عن “الدولة-الحضارة” له قيمة خاصة في تسليط الضوء على التميز الثقافي والتاريخي لمسار الصين. وهذه الإضافة مفيدة لإخراج القارئ من بديهيات إقليمية وغربية ضيقة.

تكمن قوة الكتاب في اتساع نطاق تحليله، حيث يربط بين الاقتصاد والسياسة والتاريخ والثقافة في رؤية شاملة. ومع ذلك، فقد تعرض الكتاب لانتقادات بسبب لهجته ذات النبرة الحتمية أو القاطعة — وأحيانًا المبالغة في حتمية الهيمنة الصينية والتقليل من قدرة القوى الغربية على التكيف. ويشير النقاد أيضاً إلى أن جاك يقلل من شأن التحديات الداخلية التي تواجهها الصين، مثل التحولات الديموغرافية والأزمات البيئية والمرونة السياسية المحدودة، والتي يمكن أن تعقّد عملية صعودها. ومع ذلك، نجح الكتاب في إثارة النقاش وتشجيع القراء على إعادة النظر في موازين القوى العالمية الحالية.

الخلاصة

في النهاية، كتاب مارتن جاك ليس تنبؤًا لا مفرّ منه بقدر ما هو دعوة إلى الاستيقاظ وإعادة النظر. فهو يذكّرنا بأن العالم الذي نشأنا فيه — الذي تهيمن عليه القيم والمؤسسات والسلطات الغربية — قد أفسح المجال بالفعل لشيء جديد. بالنسبة للقراء في الشرق الأوسط، فإن هذا التحول ليس مجرد تغير في موازين القوى، بل هو واقع يظهر عبر طرق التجارة، واستثمارات البنية التحتية، والخيارات الدبلوماسية.

وسواء تقبّل القارئ حجج جاك أو رفضها، فإن رسالته الأساسية واضحة: صعود الصين سيعيد تشكيل النظام العالمي بطرق لا يمكننا تجاهلها. ولنفهم المستقبل، يجب علينا أولاً أن نفهم الصين — ليس كنسخة من الغرب، بل كحضارة لها تاريخها ومسارها الخاص. وهذا هو سبب أهمية هذا الكتاب.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك