ملخص في ثوانٍ: قمنا في هذا الجزء بتقديم كتاب “عندما تحكم الصين العالم” لمارتن جاك، واستعرضنا خلفية المؤلف كمفكر بريطاني يتحدى وجهات النظر التي تتمحور حول الغرب، وأوجزنا الحُجة المركزية للكتاب، وهي أن صعود الصين ليس مجرد تغيير في موازين القوة، بل تحوّل حضاري يعيد تشكيل منظومة العلاقات الدولية. كما وضحنا لماذا يكتسب هذا المنظور أهمية خاصة للقراء في الشرق الأوسط، حيث يثير الدور المتنامي للصين في التجارة والسياسة والثقافة أسئلة ملحّة حول مكانة المنطقة في عالم متغير.
. كيف اكتشفتُ هذا الكتاب
لقد بحثت لسنوات طويلة عن إجابة لسؤال مؤلم: لماذا فشلت الثقافات العربية الإسلامية1 في الوصول إلى مستوى المجتمعات التي تستطيع، على الأقل، الدفاع عن نفسها ضد تنمّر الأمم القوية التي لا يزال الكثير منها يحمل أحقادًا عميقة وقديمة تجاهنا؟ على الرغم من سنوات البحث، ما زلت أحمل من الأسئلة أكثر مما أملك من الإجابات.
ومع ذلك، فقد شعرت مؤخرًا بالحاجة إلى تغيير مسار البحث. فبدلاً من التركيز فقط على سبب فشلنا، بدأت أسأل: كيف نجح الآخرون؟ كيف تمكنت دول كانت ضعيفة في يوم من الأيام من التغلب على تخلّفها، وإعادة بناء قوتها، والوقوف شامخة في عالم لا تزال القوى المفترسة تحوم فيه باحثةً دائمًا عن فريسة سهلة؟
قصة الصين لفتت نظري. كيف استطاع شعبٌ عانى، في الذاكرة الحية، من إذلال حروب الأفيون2 وبشاعة مذابح نانكينج3 التي لا توصف، أن يجد طريقه للنهوض مرة أخرى — وبسرعة كبيرة لدرجة أنهم، في غضون ثلاثة أجيال فقط، أصبحوا من بين أقوى الأمم على وجه الأرض؟
وانطلاقًا من هذا الفضول، التقطت كتاب “عندما تحكم الصين العالم” لمارتن جاك. فهذا الكتاب يعد بتوضيح كيف يمكن لحضارة قادت البشرية لآلاف السنين أن تنحدر إلى حالة من الهشاشة خلال الخمسمائة عام الماضية، لتستعيد دورها الريادي في عصرنا الحالي. بالنسبة لي، هذا الكتاب أكثر من مجرد قصة عن الصين؛ إنه مرآة وتذكير بأن الانحدار ليس قدرًا، وأن التجديد، رغم صعوبته، ليس مستحيلاً.
2. معلومات عن سجل الكتاب
* عنوان الكتاب: عندما تحكم الصين العالم: صعود المملكة الوسطى ونهاية العالم الغربي
* المؤلف: مارتن جاك
* مكان النشر: لندن، المملكة المتحدة
* تاريخ النشر: 2009 (طبعة منقحة، 2012)
* اللغة المترجم إليها: نُشر في الأصل باللغة الإنجليزية، وتُرجم لاحقًا إلى عدة لغات من بينها الصينية.
3. من هو مارتن جاك؟
مارتن جاك كاتب ومفكر بريطاني قضى معظم حياته في طرح أسئلة كبيرة حول السلطة والثقافة ومستقبل عالمنا. وُلد في كوفنتري عام 1945، وترك بصمته الأولى كمحرر لمجلة “الماركسية اليوم4“، وهي مجلة تحدّت الحكمة التقليدية وأعادت تصور السياسة اليسارية في بريطانيا خلال سنوات حكم تاتشر.
وفيما بعد، اشتُهر جاك بكتابه “عندما تحكم الصين العالم”، حيث قدّم رؤيته بأن ما يحدث في الصين لا يتعلق فقط بالاقتصاد أو القوة العسكرية، بل بتحول حضاري سيعيد تشكيل كيفية عمل العالم. مارتن جاك لا ينظر إلى الصين من خلال عيون غربية فحسب، بل يصر على رؤيتها كحضارة لها تاريخها وقيمها ورؤيتها للعالم.
كما عمل جاك أستاذًا زائرًا في جامعات رائدة حول العالم — من بكين إلى طوكيو إلى لندن — ولا تزال مقالاته ومحاضراته تثير جدلاً واسعًا بين مؤيدين وناقدين على حدٍ سواء.
4. أهمية هذا الكتاب للقراء اليوم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط
كتاب “عندما تحكم الصين العالم“ مهمٌ للقراء اليوم لأنه يساعد على رؤية التحولات العالمية التي تعيد تشكيل حياتنا بالفعل. أما بالنسبة لقرّاء الشرق الأوسط، فتتمثل أهميته في قدرته على دفعهم إلى تحرير تحليلاتهم من الإطار الغربي المحض. فعلى مدى قرون، خضعت المنطقة لتأثيرٍ غربي تمثل في الاستعمار، وسياسات الطاقة، والهيمنة الثقافية، والعمليات العسكرية والسياسية التي شكّلت مسارات ومستقبل المنطقة. ويرى جاك أننا اليوم ندخل عصرًا مختلفًا: عصرًا تتلاشى فيه الهيمنة الغربية وتبرز فيه الصين كقوة مركزية في الشؤون العالمية.
وهذا أمر مهم لأن الصين تتفاعل مع الشرق الأوسط بطريقة مختلفة عن الغرب. فمن مشاريع البنية التحتية الضخمة في إطار مبادرة الحزام والطريق5 إلى الاستثمارات في التكنولوجيا والطاقة والتجارة، تقدّم الصين فرصًا — ولكن أيضًا تحديات — من شأنها أن تشكّل مستقبل المنطقة.
وبالنسبة لقرّاء الشرق الأوسط، لا يتعلق الكتاب بالصين فحسب، بل بفهم موقع منطقتنا في نظام عالمي متغير. هل سنستمر في التأثر بالقوى الخارجية، أم سنتمكن من التنقّل بينها بطرق تعزز استقلالنا وازدهارنا؟ لا يقدّم جاك إجابات سهلة، لكنه يجبرنا على طرح الأسئلة الصحيحة.
الخلاصة
يعمل كتاب مارتن جاك كدعوة لليقظة أكثر من كونه توقعًا دقيقًا للمستقبل. فهو يذكّرنا بأن العالم الذي نشأنا فيه — الذي تهيمن عليه القيم والمؤسسات والسلطة الغربية — قد بدأ بالفعل يفسح المجال لشيء جديد. وبالنسبة لقرّاء الشرق الأوسط، فإن هذا التحول ليس مجرد فكرة بعيدة، بل واقع يتكشف عبر طرق التجارة، وتدفقات الاستثمار، والخيارات الجيوسياسية.
وسواء تبنّى المرء حجج جاك أو قاومها، فإن رسالته الأساسية واضحة: صعود الصين سيعيد تشكيل النظام العالمي بطرق لا يمكننا تجاهلها. ولِفهم المستقبل، يجب علينا أولاً أن نفهم الصين — ليس كنسخة من الغرب، بل كحضارة لها تاريخها ومسارها الخاص.
ملاحظات
1. الثقافات الإسلامية العربية (Islamo-Arabic Culture) – الحضارات التي شكلها الإرث المتشابك للإسلام والتقاليد العربية، والتي تشمل الدين واللغة والفلسفة والعلوم والفكر السياسي.
2. حروب الأفيون (The Opium Wars) – صراعان نشبا في منتصف القرن التاسع عشر، حرب الأفيون الأولي (1839-1842) وحرب الأفيون الثانية (1856-1860)، بين الصين والقوى الغربية، وخاصة بريطانيا، حول تجارة الأفيون وأدت إلى انفتاح الصين القسري على النفوذ الأجنبي والامتيازات التجارية.
3. نانكينج (نانجينج)(Nanking ‘Nanjing’) – مدينة صينية تاريخية، كانت العاصمة ذات يوم، اشتهرت بمذبحة نانكينج عام 1937، عندما قتلت القوات اليابانية مئات الآلاف من المدنيين والأسرى ونكلت بهم بوحشية أثناء الحرب الصينية اليابانية الثانية.
4. الماركسية اليوم (Marxism Today) – مجلة سياسية بريطانية (1977-1991)، مؤثرة في الأوساط الفكرية اليسارية، ومعروفة بإعادة النظر في الماركسية وتحليل التغيرات العالمية خلال أواخر حقبة الحرب الباردة.
5. مبادرة الحزام والطريق– (Belt and Road Initiative ‘BRI’) استراتيجية الصين العالمية الواسعة للبنية التحتية والاستثمار، التي أطلقتها في عام 2013، والتي تهدف إلى ربط آسيا وأفريقيا وأوروبا من خلال طرق التجارة والموانئ والسكك الحديدية والشبكات الرقمية، مما يعزز نفوذ بكين العالمي.