ملاحظة المحرر (26 سبتمبر 2025) :كان من المقرر نشر هذه المقالة في 7 أكتوبر 2025، لكننا ننشرها مبكرًا لنقدّم لكم تحليلًا في حينه.
في الأسبوع الأخير من سبتمبر، عاد دونالد ترامب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بخطاب دام ساعة كاملة. وكما جرت العادة في خطاباته، كان المشهد مزيجًا من المديح الذاتي، والهجوم على الحلفاء والخصوم، وادعاءات تفتقر إلى الدقة. بالنسبة لمؤيديه، كان هذا الخطاب تجسيدًا لـ “الترامبية بلا قيود”، أما لمنتقديه، فقد بدا “ترامبية مُختلّة”. لكنه في النهاية كشف عن رؤيته للعالم: قومية متشددة، شك عميق في المؤسسات متعددة الأطراف، وازدراء صريح لسياسات المناخ والهجرة.
المديح الذاتي والادعاءات المشكوك فيها
افتتح ترامب خطابه بالحديث عن “العصر الذهبي” الذي تعيشه الولايات المتحدة في عهده، مكررًا زعمه المثير للجدل بأنه أنهى “سبع حروب لا تنتهي”. كما تفاخر بأنه المسؤول الوحيد عن موجة استثمارات غير مسبوقة، بلغت ـ حسب قوله ـ 17 تريليون دولار خلال ثمانية أشهر. غير أن مراجعات الحقائق أوضحت أن الرقم مبالغ فيه ومضلل، إذ لم يعلن البيت الأبيض سوى عن أقل من نصف هذا المبلغ، ومعظم التعهدات التي أُدرجت غامضة وغير مضمونة.
أما بخصوص الاقتصاد المحلي، فقد احتفل ترامب بانخفاض أسعار الوقود وفواتير الطاقة. لكن الواقع أظهر صورة مختلفة: فبينما تراجعت أسعار البنزين قليلًا، ارتفعت فواتير الكهرباء على مدى العام الماضي.
جولة عالمية من الانتقادات
انتقل ترامب بعد ذلك إلى الساحة الدولية. فاتهم أوروبا بأنها “مُدمّرة” بسبب الهجرة غير المنظّمة، وسخر من “خدعة الطاقة الخضراء”. ولم يتردد في وصف التغير المناخي، وسط شهقات من الحضور، بأنه “أكبر عملية احتيال في تاريخ العالم”. وحثّ الأوروبيين على العودة إلى الوقود الأحفوري، في تجاهل تام للبيانات العالمية التي تؤكد أن دولًا مثل الصين تتصدر مشهد تطوير الطاقات المتجددة.
وتطرقت بعض تصريحاته إلى خطاب ذي طابع عنصري. فقد كرر ما قاله خلال زيارته الأخيرة لبريطانيا، مُعتبرًا أن الهجرة تهديد وجودي لـ “التراث اليهودي المسيحي” في أوروبا. كما قدّم نفسه مدافعًا عن الحرية الدينية، وبالأخص عن المسيحية التي وصفها بأنها “الأكثر اضطهادًا في العالم اليوم”.
ولم يتوقف عند ذلك، إذ شن هجومًا شخصيًا على عمدة لندن المسلم، صادق خان، ملمحًا – من دون دليل – إلى أن المدينة باتت تحت سيطرة الشريعة الإسلامية، في إعادة تدوير لنظرية مؤامرة مفبركة منذ سنوات.
افتعال شجار مع الأمم المتحدة
الأمم المتحدة نفسها لم تسلم من هجوم ترامب. فقد اتهمها بالاكتفاء بكتابة “رسائل شديدة اللهجة” بدلًا من إنهاء الحروب، وسخر من تمويلها برامج اللجوء، بل ألقى عليها اللوم بسبب عطلٍ تقني في “جهاز التلقين عن بعد” والسلم المتحرك خلال زيارته.
صحيح أن الأمم المتحدة تعاني بيروقراطية معقدة وغالبًا ما يكون مجلس الأمن في حالة جمود، لكن حجة ترامب تظل معقدة أيضًا، إذ إن إدارته خفضت التمويل الأميركي، ما أضعف البرامج الإنسانية التي يسخر منها اليوم.
روسيا وأوكرانيا والصورة الكبرى
وفي واحدة من لحظات خطابه القليلة التي حملت مضمونًا سياسيًا، تناول ترامب الحرب في أوكرانيا، ووجّه انتقادًا لفلاديمير بوتين متهِمًا إياه بإطالة أمد الحرب، واصفًا روسيا بأنها “نمر من ورق”. كما أشار للمرة الأولى إلى احتمال أن تستعيد أوكرانيا جميع أراضيها بدعم من الناتو والاتحاد الأوروبي، ولكن من دون دور مباشر للولايات المتحدة. غير أن دبلوماسيين حذّروا من أن هذا التفاؤل يفتقر إلى الأدلة على أرض الواقع، حيث لا يزال الصراع مستمر كصراع استنزاف بطيء.
الصمت بدلًا من الضحك
كان من الواضح اختلاف رد فعل الحضور. فقبل سبع سنوات، ضحك قادة العالم علنًا على مزاعم ترامب الغريبة. أما هذه المرة، فقد استمعوا إليه في صمت. وسواء كان هذا الصمت يعكس الاحترام أو الإرهاق أو عدم التصديق، فهذا أمر قابل للتأويل.
وأنهى ترامب خطابه بالصراحة التي أصبحت علامته التجارية: “في الحقيقة أنا أجيد هذه الأمور. أما بلدانكم فستذهب إلى الجحيم.”
الخلاصة
لم يكن خطاب ترامب في الأمم المتحدة خطاباً دبلوماسياً بقدر ما كان بياناً للدفاع عن القومية، والرفض للتعددية، بالإضافة لوابل من الادعاءات المشكوك فيها. لقد كشف فيه عن رؤيته الخاصة للعالم، كما أعاد إحياء الانقسامات التي لطالما رافقته. بالنسبة لمؤيديه، هو زعيم يقول ما يتردد غيره عن ذكره. أما بالنسبة لمنتقديه، فهو تذكير إضافي بأهمية الحقائق والدبلوماسية في عالم لا يزال يعاني من الحروب وتغير المناخ والهجرة الجماعية.
المصادر
1. تشيو، ليندا. “التحقق من خطاب ترامب في الأمم المتحدة”. نيويورك تايمز، 23 سبتمبر 2025.
https://www.nytimes.com/live/2025/09/23/world/un-general-assembly-trump
2. لاندال، جيمس. “قبل سبع سنوات، ضحك جمهور ترامب في الأمم المتحدة، هذا العام كانوا صامتين.” بي بي سي، 23 سبتمبر 2025.