15# – “بحث الإنسان عن المعنى”، بقلم فيكتور إي. فرانكل (الجزء الثاني): مراجعة وتحليل – أغسطس 14، 2025

ملخص في ثوانٍ: مذكّرات شاملة واستكشاف نفسي عميق لإيجاد هدف في الحياة، حتى في مواجهة المعاناة الشديدة. يوضح المؤلف كيف يمكن للأفراد تحمّل مصاعب لا يمكن تصورها من خلال اكتشاف معنى لوجودهم. كما يعرض منهجه العلاجي المعروف بـ”العلاج بالمعنى”، والذي يؤكّد على أهمية الهدف والمسؤولية الشخصية في التغلب على التحديات. في هذا الجزء، نقدم مراجعة شاملة للكتاب، نسلّط الضوء على أهم دروسه الفكرية والنفسية، ونحلّل أسلوب الكتابة، ثم نختم برؤية تقييمية موجزة.

مدخل عام: بين السيرة والعلاج

يُعد كتاب بحث الإنسان عن المعنى من الأعمال الفكرية والنفسية التي تتجاوز حدود السيرة الذاتية لتلامس عمق التجربة الإنسانية في أكثر تجلياتها قسوة وشجاعة. يمزج المؤلف – الطبيب النفسي والناجي من معسكرات الاعتقال النازية – بين رؤيته المهنية وتجاربه الشخصية، ليقدّم للقارئ رؤية فلسفية وعلاجية حول كيفية إيجاد معنى للحياة، حتى في أقسى الظروف.

الجزء الأول: شهادة حيّة من قلب المحرقة

يبدأ فرانكل بسرد تجاربه المروعة في معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ويشاركنا تفاصيل حية عن الحياة في المعسكرات – المجاعة، والعمل القسري، والتهديد المستمر بالموت. وعلى الرغم من هذه المعاناة، لاحظ فرانكل أن بعض السجناء، بمن فيهم هو نفسه، كانوا قادرين على الحفاظ على شعور داخلي بالهدف. لاحظ أن أولئك الذين وجدوا معنى لحياتهم – سواء عبر الحب، أو الإيمان، أو التطلع نحو هدف مستقبلي – كانوا أكثر قدرة على الصمود في وجه اليأس.

واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في هذا الجزء هي تأمّلات فرانكل في حبّه لزوجته. فرغم عدم معرفته بمصيرها، كان استحضار صورتها كافيًا ليمنحه عزيمة متجددة. هذه اللحظة تلخّص قوة الروابط العاطفية، وأثر الأمل في مواجهة القسوة.

كنت أعلم أن زوجتي قد تكون ميتة، لكن مجرد التفكير فيها، كان يمنحني القوة للاستمرار.” فيكتور فرانكل

الجزء الثاني: العلاج بالمعنى — فلسفة المسؤولية والحرية

ينتقل فرانكل في الجزء الثاني من الكتاب إلى عرض نظريته النفسية التي طوّرها تحت اسم “العلاج بالمعني” 1 والفكرة الأساسية في طريقة العلاج هذه، هي أن الدافع الأساسي في حياة الإنسان ليس اللذة (كما يعتقد فرويد2) أو القوة (كما قال أدلر3) بل هو البحث عن المعنى. يشرح فرانكل أن المعنى يمكن اكتشافه عبر ثلاثة مسارات رئيسية:

1. من خلال الإبداع أو إنجاز عمل ذي قيمة.

2. من خلال التفاعل مع تجارب ذات مغزى، كالحب أو تأمل الجمال.

3. من خلال تبنّي موقف إيجابي حُرّ في مواجهة المعاناة التي لا يمكن تجنّبها.

إن فلسفة فرانكل تمكينية لأنها تؤكد على المسؤولية الشخصية. فهو يرى أنه بينما لا يمكننا دائمًا التحكم في ظروفنا، يمكننا التحكم في كيفية استجابتنا لها. وحتى في مواجهة المعاناة، لدينا الحرية في إيجاد المعنى والهدف.

عندما لا نستطيع تغيير الظروف، يبقى أمامنا دائمًا خيارنا في تغيير موقفنا منها.” فيكتور فرانكل

تكمن قوة فلسفة فرانكل في تأكيدها على حرية الإنسان الداخلية وقدرته علي اختيار موقفه تجاه الحياة. حتى في أحلك الظروف. وهو ما يمنح القارئ شعورًا بالقوة والقدرة على إعادة توجيه الحياة، مهما كانت صعبة أو موجعة.

دروس أساسية للقارئ

يمثّل هذا الكتاب مصدر إلهام للكثيرين، لأنه يعزّز فكرة المرونة النفسية، وأهمية وجود هدف في الحياة.
في عالم مليء بالضغوطات — سواء مهنية أو عائلية أو اجتماعية — يذكّرنا فرانكل بأنه مهما كانت الحياة صعبة، يمكننا دائمًا أن نجد سببًا للاستمرار.

من لديه سببٌ للعيش، يستطيع تقريبًا تحمّل أي طريقةٍ للحياة. 4 مقتبسمن نيتشه، واستشهد به فرانكل كثيرًا

وهناك درس مهم آخر هو قيمة المنظور الذهني5. لقد تمكن فرانكل من تحمّل ما لا يُطاق من خلال تركيزه على لحظات صغيرة من الأمل، كغروب الشمس أو ذكرى الحبيب. وهذا ما يبيّن مدى قوة العقل البشري في التعامل مع الشدائد.

أسلوب الكتابة وسهولة الوصول إليها

يمتاز أسلوب فرانكل بالوضوح والبساطة، دون التنازل عن العمق الفلسفي. الجزء الأول من الكتاب يأتي على شكل سرد شخصي، بأسلوب مؤثّر ومشحون بالعاطفة، للتجارب التي مر بها في معسكرات الإعتقال. بينما يُقدّم الجزء الثاني أفكارًا نظرية بأسلوب يتسم بالهدوء والتأمل.

ورغم احتواء النص على مصطلحات فلسفية ونفسية، إلا أن الكاتب يقدّم أمثلة واقعية تجعلها متاحة لمختلف فئات القرّاء — سواء كانوا مختصين في علم النفس أو من عامة المهتمين بالتنمية الذاتية والفكر الإنساني.

الخاتمة: دعوة لإعادة التفكير في الحياة

كتاب “بحث الإنسان عن المعنى” هو أكثر من مجرد مذكرات أو كتاب في علم النفس، إنه بمثابة دعوة صريحة لإعادة التفكير في مفاهيم الحياة والمعاناة والحرية، من منطلق المعنى، لا من منطلق الألم فقط.

حتى في أحلك اللحظات، يمكننا أن نجد الهدف والأمل.” فيكتور فرانكل

الملحوظات والمصطلحات

1. العلاج بالمعنى –  Logotherapy
هو نهج علاجي طوره فيكتور فرانكل، يركز على مساعدة الفرد في العثور على معنى لحياته كوسيلة للتغلب على المعاناة النفسية وتحقيق التوازن النفسي.

2. سيجموند فرويد –  Sigmund Freud
طبيب نمساوي ومؤسس التحليل النفسي، طوّر نظريات حول اللاوعي، والغرائز، وأهمية الطفولة المبكرة في تشكيل الشخصية والسلوك.

3. ألفرد أدلر –  Alfred Adler
طبيب نفسي نمساوي ومؤسس علم النفس الفردي، ركّز على أهمية مشاعر النقص والسعي إلى التفوق كقوى دافعة في حياة الإنسان.

4. “من لديه سببٌ للعيش، يستطيع تقريبًا تحمّل أي طريقةٍ للحياة”.

“He who has a why to live can bear almost any how.”

وردت هذه الجملة في أعمال فريدريش نيتشه، وتحديدًا في كتابه “غسق الأصنام” –“Twilight of the Idols” . وقد استشهد بها فيكتور فرانكل أكثر من مرة في كتابه، باعتبارها تلخّص فلسفة العلاج بالمعنى.

5. المنظور الذهني –  Mental Perspective
هو الطريقة التي ينظر بها الفرد إلى نفسه والعالم من حوله، ويتأثر بتجاربه السابقة، ومعتقداته، وحالته النفسية، ويؤثر في تفسيره للأحداث وتفاعله معها.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك