ملخّص في ثوانٍ
أعاد الرئيس دونالد ترامب إثارة الجدل حول حقّ المواطنة بالولادة من خلال أمرٍ تنفيذي يسعى إلى حرمان الأطفال المولودين في الولايات المتحدة من آباء غير مواطنين أو غير مقيمين دائمين (لا يحملون البطاقة الخضراء) من الحصول تلقائيًا على الجنسية الأمريكية. وبالرغم من أن المحاكم قد منعت أجزاءً من هذه السياسة، فإن حكمًا صادرًا عن المحكمة العليا سمح بتطبيقها بشكلٍ محدود في بعض الولايات. هذه الخطوة تتحدّى أكثر من قرنٍ من السوابق القانونية المستندة إلى التعديل الرابع عشر، وقد تعيد رسم ملامح معنى أن تكون “مواطنًا أمريكيًا” من الأساس.
خطة ترامب لإعادة تقييم مفهوم المواطنة الأمريكية
يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تنفيذ سياسة تهدف إلى إنهاء مبدأ “المواطنة التلقائية” للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لآباءٍ ليسوا مواطنين أو مقيمين دائمين بشكلٍ قانوني.
وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي أصدر أمرًا تنفيذيًا أوائل يناير 2025، فإن محاكم الدرجة الأدنى قامت بحظره، لكن حكمًا صدر عن المحكمة العليا في يونيو 2025 سمح بتطبيق هذه السياسة في بعض الولايات، بينما تستمر الدعوى القضائية.
الأمر التنفيذي الصادر عن ترامب
في أول يومٍ له في منصبه، وقّع الرئيس دونالد ترامب الأمر التنفيذي رقم 14156، بعنوان “حماية معنى وقيمة المواطنة الأمريكية”.
ويوجّه هذا الأمر الوكالات الفيدرالية إلى التوقف عن إصدار وثائق الجنسية — مثل جوازات السفر وبطاقات الضمان الاجتماعي — للأطفال الذين يندرجون ضمن الفئتين التاليتين:
- الأمهات غير الموثَّقات: الأطفال المولودون لأمهاتٍ يقمن في الولايات المتحدة دون وضعٍ قانوني، إذا لم يكن الأب مواطنًا أمريكيًا أو مقيمًا دائمًا بصفةٍ قانونية.
- الوضع القانوني المؤقت: الأطفال المولودون لأمهاتٍ موجودات في الولايات المتحدة بصفةٍ قانونية مؤقتة (مثل تأشيرة طالب أو سائح)، إذا لم يكن الأب مواطنًا أمريكيًا أو مقيمًا دائمًا شرعيًا.
التحديات القانونية والوضع الحالي
واجه الأمر التنفيذي تحدياتٍ قانونية فورية وهامة.
- أوامر قضائية على مستوى البلاد: أصدرت عدّة محاكم اتحادية، بما في ذلك محاكم في واشنطن وماريلاند، أوامر قضائية على مستوى البلاد تمنع تنفيذ الأمر، نظرًا لاحتمال عدم دستوريته.
- حكم المحكمة العليا: قامت المحكمة العليا لاحقًا بتحديد نطاق هذه الأوامر القضائية، مما سمح بمواصلة تطبيق سياسة المواطنة بالولادة في الولايات غير المتورطة في الدعاوى القضائية. ومع ذلك، لم تصدر المحكمة حكمًا بشأن دستورية الأمر نفسه.
- الوضع القانوني الحالي: لا تزال المعركة القضائية مستمرة؛ فرغم السماح بالتنفيذ الجزئي في بعض الولايات، تظلّ حماية حقّ المواطنة بالولادة قائمة في ولاياتٍ أخرى، وقد رفعت المنظمات المناصرة دعاوى قضائية جديدة للطعن في الأمر من خلال سبلٍ قانونية إضافية.
السياق القانوني والدستوري الأشمل
تكمن جوهر القضية في محاولة ترامب إعادة تفسير عبارة “الخاضعين لولايتها القضائية” الواردة في التعديل الرابع عشر.
- التعديل الرابع عشر: أُقِرّ هذا التعديل عقب الحرب الأهلية، وينصّ على أن “جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لولايتها القضائية، هم مواطنون في الولايات المتحدة وفي الولاية التي يقيمون فيها”.
- التفسير السائد منذ أكثر من قرن: اتفق القضاة وعلماء القانون، على مدى أكثر من مئة عام، على أن هذا النص يمنح حقّ المواطنة لكلّ من وُلد على الأراضي الأمريكية تقريبًا، بغضّ النظر عن الوضع القانوني لوالديه من حيث الهجرة.
- العقبات الدستورية: يرى معظم خبراء الدستور أن تغيير هذا المبدأ يتطلّب تعديلًا دستوريًا، وليس أمرًا تنفيذيًا. وهذا إجراء بالغ التعقيد يستلزم موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس، ثم تصديق ثلاثة أرباع الولايات عليه — وهو تحدٍّ سياسي وإجرائي من أعلى المستويات.
التأثيرات المحتملة
يحذّر المنتقدون من أنّ هذه السياسة، إذا أُقرّت في نهاية المطاف، قد تؤدي إلى نشوء طبقةٍ دائمة من الأطفال عديمي الجنسية، بما يهدد بتفكّك الأسر ويقوّض إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والحماية القانونية.
في المقابل، يرى المؤيّدون أنّ هذه السياسة من شأنها أن تحافظ على “نزاهة الجنسية الأمريكية” وتُسهم في الحدّ من الهجرة غير الشرعية، غير أنّ مثل هذه المزاعم ما تزال موضع جدلٍ واسع في الأوساط القانونية والإنسانية.
لحظة قانونية فاصلة
هذه قضية معقّدة وسريعة التطوّر، تحمل تبعاتٍ قانونية ودستورية عميقة. الأشهر المقبلة ستحدّد ليس فقط مصير الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، بل أيضًا المعنى المستقبلي لكون المرء “أمريكيًا بالولادة”.
الخلاصة
في جزئي هذه السلسلة، تتبّعتُ قصة المواطنة في الولايات المتحدة عبر مسارٍ طويل ومثيرٍ للجدل حول معنى الانتماء إلى أمريكا: من الوعود الهشّة لمرحلة ما بعد الثورة إلى المناقشات الدستورية الحامية في العصر الحديث.
تناول الجزء الأول كيف بُني مفهوم المواطنة، وكيف خضع للتقييد وإعادة التعريف عبر قرونٍ من النضال، متأثّرًا بعواملٍ كالعِرق والجِنس واتساع مفهوم المساواة.
أما الجزء الثاني، فقد نقل القصة إلى الحاضر، متناولًا محاولة الرئيس ترامب إعادة تفسير التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي وتقييد حقّ المواطنة بالولادة، في إحياءٍ لأسئلةٍ قديمة قِدمَ الجمهورية نفسها.
تكشف هذه المقالات مجتمعةً أن المواطنة الأمريكية لم تكن يومًا حقيقةً ثابتة، بل فكرةً حيّةً في تطوّرٍ دائم — تُختبر باستمرارٍ في ميدان السياسة والسلطة، وفي سعي الأمة المتواصل إلى تحديد من يحقّ له الانتماء فعلًا.
المصادر
1. بيل تشابل. “ما هي الجنسية بحق المولد وماذا سيحدث بعد حكم المحكمة العليا؟ ” ناشيونال، 27 يونيو 2025.
2. لويس باروتشو. “ترامب يريد إنهاء حق المواطنة بالمولد. ما هو موقف الدول الأخرى؟” بي بي سي وورلد سيرفيس، 27 يونيو 2025.
https://www.bbc.com/news/articles/c983g6zpz28o
3. العديد من المؤلفون. “تاريخ قانون الهجرة والجنسية في الولايات المتحدة.” ويكيبيديا، 9 أكتوبر 2025.
https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_immigration_and_nationality_law_in_the_United_States
4. اشيل تريسمان. “ترامب يريد إنهاء حق المواطنة بالمولد. القول أسهل من الفعل .” NPR 15 مايو 2025.
https://www.npr.org/2025/01/23/nx-s1-5270572/birthright-citizenship-trump-executive-order