ملخّص في ثوانٍ: يتتبع هذا المقال قصة تطوّر المواطنة في الولايات المتحدة، منذ أن كانت حكرًا على “الرجال البيض الأحرار” حتى أصبحت مفهومًا أوسع وأكثر شمولًا تحقق بعد كفاح طويل. ويسلّط الضوء على المعالم الرئيسية مثل التعديل الرابع عشر للدستور، وإصلاحات حقوق المواطنة للنساء، والجدل المعاصر حول مبدأ الجنسية بالولادة. وفي النهاية، يوضح المقال أن الجنسية الأمريكية لم تكن أبدًا ثابتة، بل ظلّت فكرة متجدّدة تُعاد صياغتها باستمرار من خلال النضال والقانون والتحوّلات الاجتماعية.
كيف تم تعريف “الانتماء إلى أمريكا” ومناقشته وتوسيعه بمرور الوقت
لم تكن المواطنة في الولايات المتحدة حالة ثابتة أو نهائية أبدًا. فمنذ بداية الجمهورية، كانت مسألة الانتماء موضع نقاش وإعادة صياغة وصراع — من خلال القوانين وأحكام المحاكم والحركات الاجتماعية.
في السنوات الأولى للبلاد، لم تكن المواطنة تسمية قانونية رسمية بقدر ما كانت ممارسة مدنية حيّة، تعني المشاركة الفعلية: حضور وتجمّع الرجال في قاعات البلدية للمناقشة والتصويت والمساهمة في تشكيل مجتمعاتهم المحلية. وكما لاحظ ألكسيس دو توكفيل عام 1835، حافظت ثقافة المشاركة النشطة هذه على “صلابة” الديمقراطية الأمريكية.
ومع مرور الزمن، أخذت المواطنة في التطوّر، فانتقلت من كونها ممارسة اجتماعية إلى كونها صفة قانونية تمنح الحقوق وتفرض المسؤوليات. لكن ما لم يتغيّر أبدًا هو الصراع المستمر حول معناها. ففي كل مرحلة من التاريخ الأمريكي، كانت المواطنة قصة صراع متجدّد وإعادة تعريف مستمرة، تصوغها اعتبارات العِرق والجنس والميول السياسية وموازين القوى.
الاستبعادات المبكرة وقوانين المواطنة الأولى
ومنذ البداية، استُبعدت فئات كاملة من هذا الحق:
- استُثني الأمريكيون الأصليون تمامًا، إلى أن صدر “قانون الجنسية الهندية” عام 1924 الذي اعترف بهم أخيرًا كمواطنين عند الولادة.
- وواجه المهاجرون الآسيويون حواجز قانونية صارمة، أبرزها “قانون استبعاد الصينيين” لعام 1882. وقد أيدت الأحكام القضائية اللاحقة — منها قضية أوزاوا ضد الولايات المتحدة (1922) وقضية الولايات المتحدة ضد باغات سينغ ثيند (1923) — تلك القيود، بإقرارها أن المهاجرين اليابانيين والهنود لا يحق لهم الحصول على الجنسية.
- ولم تُرفع القيود العرقية تمامًا إلا بعد صدور “قانون الهجرة والجنسية” لعام 1952.
كفاح الأمريكيين من أصول أفريقية من أجل حق المواطنة
لم يكن هناك نضال أثّر في معنى المواطنة بعمق مثل نضال الأمريكيين من أصول أفريقية. ففي القرار الشهير في قضية دريد سكوت ضد ساندفورد (1857)، قضت المحكمة العليا بأن السود — سواء كانوا عبيدًا أو أحرارًا — لا يمكن أن يكونوا مواطنين. وقد أُلغي هذا الحكم بعد الحرب الأهلية بموجب التعديل الرابع عشر (1868)، الذي نصّ على أن “جميع الأشخاص المولودين أو المتجنّسين في الولايات المتحدة” هم مواطنون.
كان هذا بيانًا ثوريًا في مضمونه، لكنه وعدٌ قوّضته على الفور قوانين جيم كرو، وعمليات قمع الناخبين، وأشكال التمييز المؤسسي التي أعاقت تطبيق المساواة على أرض الواقع.
لم تكن الوثائق الدستورية كافية وحدها لتكريس الحقوق السياسية؛ فقد استلزم الأمر نحو قرنٍ من النضال التشريعي والقضائي والاجتماعي، حتى صدر قانون الحقوق الانتخابية لعام 1965 الذي مثّل نقطة تحوّل في حماية حق التصويت. ومع ذلك، استمرّت المعركة من أجل المواطنة الكاملة إلى ما بعد ذلك بكثير — داخل المدارس وساحات العمل والحياة العامة — حيث تواصلت مطالبات المساواة والاعتراف الكامل بالحقوق المدنية والاجتماعية.
المرأة والجنسية عن طريق الزواج
طوال معظم تاريخ الولايات المتحدة، كانت جنسية المرأة تُعامل على أنها امتداد لجنسية زوجها. فبموجب قانون التجنّس لعام 1907، كانت المرأة الأمريكية تفقد جنسيتها تلقائيًا إذا تزوّجت من أجنبي، في حين كانت المرأة الأجنبية تحصل على الجنسية بمجرد زواجها من رجل أمريكي.
بدأ هذا الوضع يتحوّل تدريجيًا مع قانون كابل لعام 1922، الذي اعترف بحقّ المرأة في أن تكون مواطنة مستقلة لها أهلية التجنّس بنفسها. ثمّ جاء قانون المساواة في الجنسية لعام 1934 ليمنح الأمهات المواطنات الأميركيات حقّ نقل الجنسية إلى أطفالهن المولودين في الخارج – وهو حقّ كان محصورًا سابقًا في الآباء فقط.
بخطوات صغيرة متعاقبة ومكاسب تشريعية متتالية، استرجعت النساء فكرة المواطنة كحقٍّ فردي مستقلّ، لا صفة تُمنح أو تُسحب عبر روابط الزواج، ما شكّل جزءًا أساسيًا من التحوّل الأوسع في فهم المواطنة وحقوقها في المجتمع الأمريكي.
رقابة الحكومة الفيدرالية وتغيّر المؤسسات
مع ازدياد موجات الهجرة، تولّت الحكومة الفيدرالية تدريجيًا زمام عملية التجنّس وتنظيم دخول المقيمين الأجانب، وشهدت المؤسسات التشريعية والإدارية سلسلة من التحوّلات المهمة:
- عام 1891 – إنشاء مكتب الهجرة، وكانت هذه أولى مظاهر الرقابة الفيدرالية المباشرة على شؤون الهجرة.
- عام 1906 – صدور قانون التجنّس الذي وحّد إجراءات التجنّس ووضع معايير رسمية، منها شرط إجادة اللغة الإنجليزية للمتقدّمين.
- عام 1933 – أسيس دائرة الهجرة والتجنيس لتجميع وظائف الهجرة والتجنّس في جهة مركزية
- عام 1952 – إلغاء القيود العرقية بموجب قانون الهجرة والجنسية، مع الإبقاء على الحصص القائمة على الأصول القومية.
- عام 1990 – تحديث نظام التأشيرات وإدخال فئات جديدة، بما في ذلك التأشيرات القائمة على العمل وبرنامج تأشيرات التنوع.
- عام 2003 – إعادة تنظيم خدمات الهجرة في إطار خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية، وفصل إدارة المزايا المدنية عن مهام الإنفاذ لضمان وضوح أكبر بين الخدمات والتنفيذ.
عكست هذه التغييرات جميعها وعيًا متزايدًا بأن المواطنة ليست مسألة شخصية فحسب، بل مسألة مؤسسية تشكّلها السياسات والبيروقراطيات التي تحدّد من يَحظى بحقّ الانتماء ومن لا يَحظى.
المواطنة بحقّ المولد والمناقشات الحديثة
أكدت المحكمة العليا مبدأ “المواطنة بحقّ المولد” — أي أنّ أي شخص يولد على أراضي الولايات المتحدة هو مواطن — في قضية الولايات المتحدة ضد وونغ كيم أرك (1898)، حيث نصّ الحكم على أن حتى أبناء الآباء غير المواطنين هم مواطنون بحقّ المولد. واليوم، لا يزال التعديل الرابع عشر يضمن هذا الحق، ويمتدّ ليشمل المولودين في أقاليم الولايات المتحدة مثل بورتوريكو وغوام وجزر العذراء الأمريكية.
ومع ذلك، لا تزال المناقشات مستمرة، إذ يسعى بعض السياسيين إلى تقييد حقّ المواطنة بالولادة لأبناء المهاجرين غير المسجّلين، متجادلين حول المعنى الحقيقي لعبارة “الخضوع لولاية الولايات المتحدة”. تعكس هذه الحجج موضوعًا مألوفًا في التاريخ الأمريكي: التوتّر بين الإدماج والاستبعاد، بين من ينتمي ومن لا ينتمي.
الخلاصة
تاريخ الجنسية الأمريكية ليس مسيرةً ثابتة نحو الاندماج، بل هو دورة متجدّدة من التقدّم والارتداد، والتوسّع والمقاومة. في أوقات مختلفة، استُبعدت جماعاتٌ بأكملها — الأمريكيون الأصليون، والأمريكيون من أصول أفريقية، والمهاجرون الآسيويون، والنساء — مما دفع كلّ منهم للنضال من أجل الانضمام إلى دائرة الانتماء.
والنتيجة أمة أصبحت أكثر شمولًا، لكنها لا تزال تصارع المعنى الحقيقي للمواطنة. فالمواطنة، في النهاية، ليست مجرد وضع قانوني مكتوب على الورق، بل انعكاس حيّ لمعاناة أمريكا المستمرة مع الديمقراطية والهوية والمساواة — وهي قضايا لا تزال حيوية اليوم كما كانت في عام 1790.
في افتتاحيتنا المقبلة، سنناقش محاولات الرئيس ترامب لإعادة تفسير ضمان التعديل الرابع عشر لحقّ المواطنة بالولادة.
المصادر
1. بيل تشابل. “ما هي الجنسية بحق المولد وماذا سيحدث بعد حكم المحكمة العليا؟ ” ناشيونال، 27 يونيو 2025.
2. لويس باروتشو. “ترامب يريد إنهاء حق المواطنة بالمولد. ما هو موقف الدول الأخرى؟” بي بي سي وورلد سيرفيس، 27 يونيو 2025.
https://www.bbc.com/news/articles/c983g6zpz28o
3. العديد من المؤلفون. “تاريخ قانون الهجرة والجنسية في الولايات المتحدة.” ويكيبيديا، 9 أكتوبر 2025.
https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_immigration_and_nationality_law_in_the_United_States
4. اشيل تريسمان. “ترامب يريد إنهاء حق المواطنة بالمولد. القول أسهل من الفعل .” NPR 15 مايو 2025.
https://www.npr.org/2025/01/23/nx-s1-5270572/birthright-citizenship-trump-executive-order