16# – -حرب الإثني عشر يومًا: كيف أعاد التنسيق الأمريكي الإسرائيلي رسم ملامح ساحة الصراع في إيران – اغسطس 28، 2025

ملخص في ثوانٍ: شكّلت “حرب الاثني عشر يومًا” في يونيو 2025 أعنف مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران منذ عقود، وأبرزت مستوى غير مسبوق من التكامل العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل. نجحت إسرائيل في شلّ الدفاعات الجوية الإيرانية وفتح الممرات أمام عملية “مطرقة منتصف الليل”، حيث اعتمدت الولايات المتحدة على الخداع، وصواريخ توماهوك، وقاذفات (ب-2-  (B-2لتوجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية. ورغم جسامة الخسائر، قد يتمكّن البرنامج النووي الإيراني من الاستمرار. أما الأثر الأعمق للحرب فتمثّل في ترسيخ نموذج جديد للتنسيق العملياتي الكامل بين واشنطن وتل أبيب، بما يحمله ذلك من تداعيات كبرى على معادلات الردع والاستقرار في المنطقة.

شكّلت “حرب الاثني عشر يوماً” في يونيو 2025 المواجهة الأكثر مباشرة بين إسرائيل وإيران منذ عقود. ورغم أن الشرارة الأولى كانت سلسلة ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع نووية وعسكرية إيرانية، فإن السمة الأبرز للحرب كانت التنسيق العملياتي غير المسبوق بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فما بدأ كصدام إقليمي سرعان ما تحوّل إلى حملة مشتركة جمعت بين القوة الجوية الإسرائيلية والقدرات الاستراتيجية الأمريكية الأكثر تقدماً.

إسرائيل تمهّد الطريق

مع الساعات الأولى لاندلاع الحرب، بادرت إسرائيل إلى شن حملة جوية واسعة النطاق استهدفت منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، ومحطات الرادار، وبنى تحتية عسكرية حيوية. ولم يكن الهدف، كما أكّد مسؤولون إسرائيليون، مجرّد تحجيم قدرة طهران على الرد، بل تمهيد الأجواء لمرحلة تالية أكثر حسماً. فمن خلال تعطيل بطاريات الصواريخ ومراكز القيادة الإيرانية، فتحت إسرائيل ممرات آمنة مهّدت لعبور القاذفات الأمريكية من الشرق بأقل قدر ممكن من المخاطر.

هذا التسلسل لم يكن عفوياً، بل ثمرة تنسيق مسبق. فقد ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن القيادة السياسية الإسرائيلية حصلت على الضوء الأخضر من واشنطن قبل بدء الضربات. وهنا اعتبر محللون أن ما جرى شكّل نقطة تحوّل؛ إذ لم تعد إسرائيل والولايات المتحدة تتحركان في مسارين متوازيين، بل اندمجتا في خطة معركة واحدة ذات أهداف مشتركة.

سقوط المطرقة الأمريكية

في اليوم التاسع من القتال، أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشارة الانطلاق لعملية مطرقة منتصف الليل”، وهي أوسع هجوم أمريكي على إيران في تاريخ المواجهات بين الطرفين. وقد اعتمدت العملية على مزيج من الخداع العسكري ودقة التوقيت:

  • الطلعات الخداعية: أقلعت قاذفتان من طراز ب-2 في اتجاه المحيط الهادئ على مرأى من الجميع1، في استعراض مكشوف استدرج أنظار الإعلام ومنح طهران انطباعاً بأن أي هجوم محتمل ما زال بعيداً.
  • الضربة الحقيقية: في المقابل، انطلقت قاذفات أخرى شرقاً2 في صمت تكتيكي شبه كامل، ترافقها مقاتلات أمريكية. وحين اقتربت من الأجواء الإيرانية، أطلقت غواصات أمريكية أكثر من عشرين صاروخاً من طراز “توماهوك” صوب مراكز القيادة والمنشآت النووية.
  • لحظة القصف3: بين السادسة وأربعين دقيقة والسابعة مساءً بتوقيت واشنطن، أمطرت قاذفات ب-2 منشأة فوردو الحصينة باثنتي عشرة قنبلة خارقة للتحصينات، وأسقطت قنبلتين مماثلتين على ناتانز. وبعد دقائق معدودة، دوّت انفجارات أخرى في أصفهان بفعل صواريخ “توماهوك”، التي أصابت بدقة بعضاً من أكثر المواقع النووية الإيرانية حراسة.

لقد سُجّلت العملية باعتبارها أضخم مهمة قتالية لطائرات ب-2 في تاريخ الولايات المتحدة، ولم يسبقها في طول المدة إلا طلعات الأيام الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر.

تنسيق حتى اللحظة الأخيرة

وكما فتحت الغارات الإسرائيلية الطريق أمام القاذفات الأمريكية، برز التناغم السياسي في المراحل النهائية للحرب. فقد تحرّكت واشنطن بالتعاون مع قطر للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، أعلنه ترامب رسمياً، في إشارة واضحة إلى أن التحالف الأمريكي–الإسرائيلي لم يقتصر على ساحة المعركة، بل شمل أيضاً ميدان السياسة والدبلوماسية.

نجاح عسكري… ونتائج غير محسومة

حققت الحملة نتائج عسكرية ملموسة: أضرار واضحة لحقت بمواقع فوردو وناتانز وأصفهان. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً حول الأثر الاستراتيجي بعيد المدى. فالخبراء يشيرون إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قابل للنقل وربما نُقل قبل الضربات، كما أن بقاء بعض أجهزة الطرد المركزي قد يمكّن طهران من استئناف برنامجها النووي بوتيرة أسرع مما هو متوقع.

ومع ذلك، فقد حملت الحرب رسالة بالغة الوضوح: لأول مرة، خاضت إسرائيل والولايات المتحدة معركة متزامنة ضد بنية إيران النووية. فتحت إسرائيل الأجواء، وأمطرت القاذفات الأمريكية أهدافها بأقسى الضربات. وبذلك أُرسيت قواعد جديدة للتعامل مع التهديدات المشتركة في المنطقة.

الخلاصة: نموذج أمني جديد

أظهرت حرب الاثني عشر يوماً أن الصراعات المستقبلية في الشرق الأوسط ستتحدد، على الأرجح، عبر استراتيجيات مشتركة، لا من خلال تحركات منفردة. بالنسبة لإسرائيل، بيّنت الحرب أن تحييد التهديدات الإقليمية يتطلب الاستفادة من القدرات الأمريكية، سواء من حيث الموارد أوالامتداد الاستراتيجي. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أظهرت أن قيمة الشريك الإسرائيلي تكمن في قدرته على توفير معلومات استخباراتية دقيقة، وتحديد أهداف حساسة، وموقع استراتيجي يوفر لها نفوذاً حاسماً في قلب المنطقة.

ورغم الغموض المحيط بمدى تعطيل الضربات لطموحات إيران النووية، إلا أن ما لا شك فيه هو أن الحرب أسست لسابقة جديدة: لم يعد التنسيق الأمريكي–الإسرائيلي محصوراً في تبادل المعلومات الدبلوماسية أو الاستخباراتية، بل بات يشمل حملات عسكرية متزامنة تحمل انعكاسات بعيدة المدى على الردع والتصعيد والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

مراجع و ملاحظات

1. الطلعات الخداعية
في صباح السبت (21 يونيو)، أقلعت قاذفتان من طراز ب-2 من قاعدتهما في ولاية ميزوري واتجهتا غربًا نحو المحيط الهادئ. التقط متتبعو الرحلات الجوية سريعًا إشارات عن مسار الرحلة، بما في ذلك اتصال لاسلكي للطيار فوق مدينة سولت ليك سيتي. تلت ذلك عمليات للتزود بالوقود فوق أوكلاهوما، ثم كاليفورنيا، ثم هاواي. وأكّد مسؤول في وزارة الدفاع هذه التحركات لصحيفة  “الجورنال”، وسرعان ما بدأت وسائل الإعلام في نشر أخبار عن مسار القاذفات غربًا.
أفاد المذيعون بأن قاذفات ب-2 الشبحية نُقلت إلى المحيط الهادئ، لكن تلك الطائرات كانت في الواقع متجهة نحو جوام. وأشارت تقارير إعلامية إلى أنّها ربما تتمركز إمّا في دييجو غارسيا أو في جوام، وهو ما أعطى إيران انطباعًا بأن أي ضربة محتملة لا تزال على بُعد أيام.

* Martinez, Luis; Flaherty, Anne; and Hutchinson, Bill. “How Bunker-buster and B-2 Stealth Bombers Struck at the Heart of Iran’s Nuclear Program.” ABC News, 22 June 2025. Washington Post – US Iran bombing nuclear damage

* Altman, Howard. “B-2 Strikes on Iran: What We Know About Operation Midnight Hammer.” The War Zone, 22 June 2025.

The War Zone – Operation Midnight Hammer

* Holliday, Shelby. “The Tactics Behind Trump’s Bombing of Iran’s Nuclear Facilities.” Wall Street Journal, 23 June 2025.

YouTube – WSJ Coverage

2. الهجوم
وفي الوقت ذاته، غادرت مجموعة أخرى من قاذفات ب-2 قاعدة ويتمن متجهة شرقًا مع الحد الأدنى من الاتصالات. ووفقًا للبنتاغون، ففي حوالي الساعة5:00  مساءً بتوقيت الساحل الشرقي من يوم السبت (21 يونيو) – أي الساعة 12:30 بعد منتصف الليل يوم الأحد بتوقيت إيران –  أطلقت غواصة متمركزة في الشرق الأوسط الطلقات الأولى، حيث أطلقت أكثر من عشرين صاروخًا من طراز توماهوك. لم تصل هذه الصواريخ إلى أهدافها إلا بعد أن أُلقيت آخر القنابل.
وبحلول الساعة 6:00  مساءً، دخلت مجموعة الطائرات الأمريكية الأجواء الإيرانية. ووفقًا للجنرال دان كين، أُرسلت طائرات خداعية قبل دخول قاذفات ب-2، وكانت تحلّق على ارتفاع عالٍ وبسرعة كبيرة لتشويش الدفاعات الجوية الإيرانية. ومع اقتراب القاذفات من فوردو وناتانز، اشتبكت المقاتلات الأمريكية مع التهديدات الإيرانية المحتملة. ثم، ما بين الساعة  6:40 و7:00  مساءً بتوقيت الساحل الشرقي، ألقت قاذفات ب-2 قنابل ضخمة مدمرة للمخابئ على أهدافها. ووفقًا لمسؤول أمريكي، تم إسقاط  12 قنبلة اختراق ضخمة على فوردو، في حين أُسقطت قنبلتان على ناتانز. وبعد ذلك بوقت قصير، ضربت صواريخ توماهوك أصفهان، قبل أن تغادر مجموعة الضربات الأجواء الإيرانية عائدة إلى قواعدها.
(المصدر نفسه)

3. لحظة القصف
في ليلة واحدة فقط، استخدمت الولايات المتحدة ما يُقدّر بثلاثة أرباع مخزونها من هذا النوع من القنابل المخصصة لتدمير المخابئ.
(المصدر نفسه)

4. الجنرال دان كين
الجنرال دان كين هو الرئيس الثاني والعشرون لهيئة الأركان المشتركة، وأعلى ضابط عسكري رتبةً في الولايات المتحدة.

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك