لماذا تحتاج خدمات الطوارئ الطبية في مصر إلى تدخل عاجل؟
تخيّل هذا المشهد: أنت في قلب القاهرة، وفجأة ينهار شخص بجوارك إثر أزمة قلبية. تتصل بالإسعاف، لكنه يتأخر في الوصول. وعندما تصل السيارة أخيرًا، تجد أن طاقمها لا يحمل جهازًا لإنعاش القلب. وعند الوصول إلى المستشفى، تجد طوابير طويلة، ولا أحد يحدد من يحتاج الرعاية أولًا.
هذا ليس مجرد سيناريو كابوسي، بل هو واقع يومي يعيشه العديد من المصريين.
فخدمات الطوارئ الطبية في مصر تواجه أزمات حادة تمس حياة الجميع، من سكان المدن الكبرى إلى القرى النائية. دعونا نستعرض أبرز هذه التحديات، لنُدرك لماذا يُعد إصلاح هذا القطاع مسألة حياة أو موت.
1. نقص حاد في الكوادر الطبية المتخصصة
تعاني العديد من المستشفيات من نقصٍ في أطباء الطوارئ والممرضين المدربين. ففي معظم أقسام الطوارئ، يعمل أطباء عموميون لا يمتلكون الخبرة الكافية للتعامل مع حالات مثل الحوادث المرورية أو السكتات الدماغية.
أما في المناطق الريفية، فقد لا يتوافر أي نوع من الرعاية الطارئة أصلًا.
2. مستشفيات بلا أدوات إنقاذ
كيف للطبيب أن ينقذ حياة مريض دون أدوات أساسية؟ فعلي سبيل المثال، كثير من المستشفيات تفتقر إلى: أجهزة التنفس الصناعي (لمن لا يستطيعون التنفس)، و أجهزة الصدمات الكهربائية (لإنعاش مرضى القلب)، ولأجهزة الأشعة المقطعية (لتشخيص الإصابات الداخلية)
حتى سيارات الإسعاف، كثيرًا ما تكون خالية من التجهيزات الضرورية، وكأنك ترسل رجل إطفاء إلى حريق بلا خرطوم!
3. تأخر وصول المساعدة
الازدحام المروري في القاهرة بات جزءًا من الحياة اليومية، لكن في حالات الطوارئ، يصبح خطرًا قاتلًا.
تتأخر سيارات الإسعاف وسط الزحام، ونظام تحديد المواقع GPS غالبًا ما يكون غير دقيق. وكل دقيقة تأخير قد تعني فقدان حياة.
4. تكلفة الرعاية… فوق قدرة المواطن
حتى إذا وصلت إلى المستشفى، تظهر مشكلة أخرى: التكاليف. المستشفيات الخاصة باهظة الثمن، ولا يستطيع معظم المواطنين تحمل نفقاتها. أما المستشفيات الحكومية، فهي مكتظة وتعاني من ضعف التمويل. ومعظم المصريين يدفعون تكاليف العلاج من جيوبهم، مما يجعل الرعاية الطارئة امتيازًا تستأثر به قلة، لا حقًّا يتمتع به كل مصري.
5. غياب نظام لفرز الحالات حسب الأولوية
في بعض المستشفيات، يُعالج المرضى حسب ترتيب وصولهم، وليس حسب خطورة حالتهم.
فقد يتلقى مصاب بكسر بسيط العلاج قبل مريض يعاني من أزمة قلبية. هذا الخلل في التنظيم قد يكون قاتلًا.
6. إنهاك الكوادر الطبية
الأطباء والممرضون أبطال، لكنهم بشر أيضًا. في مصر، كثير منهم يعملون لساعات طويلة بأجور منخفضة، ما يدفع الكثيرين للهجرة بحثًا عن فرص أفضل. وهكذا، تبقى أقسام الطوارئ تعاني من نقص الطواقم، ومن بقي منهم يعمل تحت ضغط هائل، ما ينعكس سلبًا على جودة الرعاية.
7. غياب منظومة وطنية متكاملة للطوارئ
في الولايات المتحدة، الاتصال بالرقم 911 يضمن وصول المساعدة بسرعة. في مصر، الرقم هو 123، لكن لا يعرفه كل مواطن، وبعض المناطق لا تتوفر فيها تغطية إسعافية على الإطلاق. ولا توجد خطة وطنية موحدة تربط بين المستشفيات والإسعاف والمراكز الصحية. كأنما نحاول تشغيل فريقٍ بلا مدرب!
8. فجوة هائلة بين العام والخاص
المستشفيات الخاصة في مصر فاخرة ومتقدمة، لكنها حكر على الأغنياء. أما المستشفيات العامة، فتحاول خدمة الغالبية بإمكانات محدودة وضغوط هائلة. هذا التفاوت الطبقي يجعل حياة الإنسان مرهونة بقدرته المالية، وهو ظلمٌ فادح.
9. غياب البيانات… غياب الحلول
يصعب إصلاح ما لا يمكن قياسه. في مصر، لا توجد آلية دقيقة لتتبع أداء خدمات الطوارئ. نحتاج إلى معرفة عدد المستفيدين من خدمة الطوارئ، وسرعة استجابة سيارات الإسعاف، وجودة أداء المستشفيات. بدون هذه البيانات، يصبح تحسين النظام أشبه بالتحليق في العتمة.
10. إصلاحات بطيئة ومليئة بالبيروقراطية
شرعت مصر في تنفيذ مشروع “التأمين الصحي الشامل”، وهو خطوة إيجابية لتوفير تغطية صحية للجميع.
لكن تنفيذ المشروع بطيء، ولا تزال الكثير من مشكلات الطوارئ دون حلول، فيما يعرقل الفساد والروتين تقدمه.
إذًا، ما هو الحل؟
مصر بحاجة إلى:
تدريب المزيد من كوادر الطوارئ
توفير الأجهزة والمعدات الحيوية في المستشفيات
تحسين سرعة استجابة سيارات الإسعاف
تخفيض تكاليف العلاج لتكون في متناول الجميع
بناء منظومة طوارئ وطنية موحدة وفعالة
الرعاية الطارئة ليست ترفًا طبيًّا، بل حقٌّ إنساني. في كل ثانية حياة، وفي كل استجابة أمل.
المصادر
1. الحصول على الرعاية الطارئة في مصر: نظام صحي بطبقات ومظاهر التفاوت
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0277953623005695
2. طب الطوارئ في مصر: الوضع الراهن وآفاق المستقبل
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2211419X13001766