#9 – الهستريا الأوكرانية(الجزء الخامس): الرابحون والخاسرون، الدول المشاركة بشكل مباشرفى النزاع: أوكرانيا وروسيا – يناير 28، 2025

ملخص في ثوانٍ: خلقت الحرب الروسية الأوكرانية مشهدًا معقدًا من الرابحين والخاسرين. ففى حين يتحمل المشاركون المباشرين، روسيا وأوكرانيا، تكاليف فورية كبيرة، ولكنهما قد يواجهون أيضًا فرصًا على المدى الطويل. أما الدول التي تدعم أيًا من الجانبين فقد تكسب نفوذًا جيوسياسيًا، لكنها أيضًا تعرض نفسها للمخاطر الاقتصادية والدبلوماسية. سيتناول هذا المقال تأثير الحرب على المشاركين المباشرين – روسيا وأوكرانيا. وفي مقالي التالي، سأستعرض آثار الحرب على الدول التي تدعم أحد الجانبين أو تبقى علي الحياد.

الرابحون والخاسرون في حرب روسيا وأوكرانيا: تحليل فئوي

كان للحرب الروسية الأوكرانية آثار عميقة على إعادة تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية والسياسات الاقتصادية والتحالفات الدولية. يعرض المقال التالي تحليلاً للخسائر والمكاسب المحتملة لفئات مختلفة من الأطراف المعنية في هذا النزاع.

أولاً: الخسائر في صفوف القوات المسلحة على الجانبين الأوكراني والروسي

وفقًا لموقع Congress.gov، تسببت الحرب في أوكرانيا في خسائر بشرية ضخمة في صفوف القوات العسكرية، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد القتلى والجرحى من أوكرانيا وروسيا يقترب من 500 ألف جندي. وتشير التقارير الأمريكية إلى أن خسائر روسيا العسكرية أعلى بكثير من خسائر أوكرانيا، حيث يقدر عدد القتلى والجرحى من الجنود الروس بحوالي 300,000، بينهم 120,000 قتيل وأكثر من 170,000 جريح. في المقابل، بلغت خسائر أوكرانيا حوالي 70,000 قتيل، بالإضافة إلى إصابة ما بين 100,000 و120,000 جندي. ولا يزال من الصعب التحقق من هذه الأرقام بسبب ميل روسيا إلى التقليل من حجم خسائرها، و إحجام أوكرانيا عن الكشف عن الأرقام الرسمية.

وقد أدت المعركة، خاصة في شرق أوكرانيا والهجوم المضاد المستمر، إلى تصاعد أعداد القتلى والجرحى، خاصة خلال معركة باخموت، التى أسفرت عن خسائر فادحة للطرفين. وبالرغم من الدعم الغربى الكبير، فقد واجه الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا صعوبات فى البداية بسبب التكتيك غير الفعال والعدد الهائل من حقول الألغام الروسية. وعلى الرغم من ذلك، فقد تكيّف الجيش الأوكراني مع الوضع، حيث ركز على المدفعية والصواريخ بعيدة المدى بدلًا من الهجمات المباشرة، مما أدى إلى تقليل الخسائر البشرية ولكنه قد يستنزف الاحتياطيات الحيوية من  الذخائر.

ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق بشأن تردد أوكرانيا المتزايد في تحمل خسائر بشرية كبيرة، وهو ما يؤثر على أسلوبها  في الهجوم المضاد. وقد تسببت الطبيعة الوحشية للقتال المتلاحم، الذي يشبه في كثير من الأحيان حرب الخنادق على غرار الحرب العالمية الأولى في ارتفاع معدل الخسائر البشرية. حيث يتم إطلاق آلاف القذائف المدفعية كل أسبوع، وتنتشر الألغام الأرضية في ساحة المعركة، بينما تُزيد الطائرات بدون طيار والدبابات من فتك المعارك. وقد تفاقم الوضع بسبب نقص الرعاية الطبية السريعة على الخطوط الأمامية، حيث يكافح الجيش لإخلاء الجرحى وتقديم العلاج لهم.

ثانيًا: الخسائر بين المدنيين في أوكرانيا وروسيا

بالإضافة إلى الخسائر العسكرية، أسفرت الحرب عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى المدنيين من كلا الجانبين. وتشمل الخسائر في صفوف المدنيين تلك الناجمة عن الغارات الجوية والقصف المدفعي والعمليات البرية في المناطق الحضرية والمدنية. حتى أواخر عام 2024، بلغ عدد الضحايا المدنيين في أوكرانيا وحدها عشرات الآلاف، مع نزوح الملايين داخل أوكرانيا وخارجها على حد سواء.

عدد القتلى من المدنيين

بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، سجلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان 40,838 ضحية مدنية في أوكرانيا منذ إندلاع المعارك فى  24 فبراير 2022، (من بينهم 12,456 قتيلًا و28,382 جريحًا)، لكن يعتقد أن الرقم الفعلى أعلى من ذلك.  وقد كانت غالبية الخسائر في المناطق الخاضعة للحكومة الأوكرانية بإجمالى 34,047 شخصاً (من بينهم 9,824 قتيلًا و24,223 جريحًا)، أما الخسائر التى سجلت في المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية أو حلفاؤها فقد بلغت 7,151 إصابة، شملت 2,632 قتيلًا و 4,519 جريحًا.

معظم حالات الوفاة (10,692 حالة) كانت بسبب الأسلحة المتفجرة ”ذات الآثار الواسعة النطاق“، و413 حالة وفاة بسبب الألغام ومخلفات المتفجرات، و1,351 حالة وفاة بسبب الأسلحة الصغيرة، بما في ذلك من تبادل إطلاق النار، أو حوادث الطرق التي تشمل المركبات العسكرية أو المدنية.

أثر الحرب على المدنيين الأوكرانيين بعد عامين من النزاع

قُتل أكثر من 10,000 مدني أوكراني منذ بدء الحرب. ولا يزال ما يقرب من 5 ملايين أوكراني مشردين داخل بلادهم، بالإضافة لما يقرب من 6 ملايين لاجئ في جميع أنحاء أوروبا. يشكل النازحون أكثر من ثلث سكان أوكرانيا. ويواجه العديد من الذين عادوا إلى منازلهم صعوبات في إعادة بناء حياتهم، حيث نفد المال وتعرضت منازلهم للتدمير.

كما أثرت الحرب على الصحة النفسية للأوكرانيين. فالكثيرون يعيشون في حالة من التوتر والقلق المستمر من الصواريخ والمدفعية الوشيكة، حيث يعاني 30% من السكان من اضطرابات الصحة العقلية.

ويعيش اليوم ما يقرب من ربع سكان أوكرانيا تحت خط الفقر. وحوالي 1 من كل 5 عائلات تعاني من انعدام الأمن الغذائي. وتزداد صعوبة العثور على الطعام وتحمل تكلفته وإعداده كلما إقتربت الأسر الأوكرانية من خطوط الجبهة.

خسائر المدنيين الروس

حتى 30 يونيو 2023، أفاد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن 287 مدنيًا قُتلوا أو أصيبوا في روسيا الغربية، بينهم 58 قتيلا و229 جريحًا، بالإضافة إلى 6 قتلى و16 جريحًا في شبه جزيرة القرم. كما قُتل مدنيان في هجوم أوكراني بالطائرات بدون طيار على جسر القرم في 17 يوليو 2023. وفي 23 يونيو 2024، أصابت صواريخ أوكرانية مدينة سيفاستوبول في القرم، مما أسفر عن مقتل 5 مدنيين وإصابة 151.

التحديات في إعداد التقارير

التضليل على الجانب الروسي: قدّمت روسيا معلومات محدودة ومضللة في كثير من الأحيان حول خسائرها، ، مما جعل التحقق المستقل أمرًا صعبًا.

التقارير الأوكرانية: كانت الحكومة الأوكرانية أيضًا حذرة في الكشف عن الأرقام الدقيقة، خاصة فيما يتعلق بخسائر الجنود، على الرغم من أن السلطات الأوكرانية شاركت تقديرات وتقارير من المنظمات الدولية.

ولا يزال التأثير الكامل للحرب على كلا الجانبين غير واضح بشكلٍ كامل حتى الآن، كما أنه عرضة للتغيير مع استمرار النزاع. و تُعد الخسائر الإنسانية، بما في ذلك الخسائر العسكرية والمدنية على حد سواء، أحد أكثر الجوانب المأساوية للحرب المستمرة.

ثالثًا: الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للحرب على كلا الجانبين

تسببت الحرب في أوكرانيا في أضرار اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة لكل من روسيا وأوكرانيا، ومن المتوقع أن تستمر هذه الآثار لفترة طويلة بعد انتهاء النزاع.

التأثير الاقتصادي

أوكرانيا: دمرت الحرب اقتصاد أوكرانيا، حيث تعرضت البنية التحتية الرئيسية مثل الجسور والمصانع وشبكات الطاقة للدمار. انكمش الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنحو 30% في عام 2022.  كماعطل النزاع الإنتاج الزراعي، مما أثر بشكل خاص على صادرات الحبوب، وألحق الضرر بقطاع الطاقة، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي ونقص الطاقة:

روسيا: واجهت روسيا عقوبات دولية ثقيلة استهدفت قطاعيها المالي والتكنولوجي، مما أثر بشكل سلبي على اقتصادها. أضف لذلك إرتفاع نسب التضخم وتراجع الوصول إلى الأسواق الغربية. وعلى الرغم من أن روسيا حولت تجارتها إلى دول مثل الصين والهند، إلا أن اقتصادها لا يزال متأثرًا بشدة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني روسيا من هجرة واسعة للعمالة الماهرة والمهنيين.

التأثير الاجتماعي

أوكرانيا: أدت الحرب إلى نزوح ملايين الأوكرانيين من منازلهم، مما أدي إلى أزمة لاجئين هائلة. ويعاني العديد من الناجين من اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق و الاكتئاب. كما غيرت الحرب التركيبة السكانية للبلاد، حيث شهدت بعض المناطق خسائر فادحة في عدد السكان. ورغم كل هذه الصعوبات، فقد عززت الحرب الوحدة والهوية الوطنية للأوكرانيين.

روسيا: تتزايد الاضطرابات الاجتماعية في روسيا، خاصة بسبب الصعوبات الاقتصادية والخسائر العسكرية وارتفاع عدد الضحايا. كما تم قمع الاحتجاجات، وانخفضت الثقة في المؤسسات الحكومية. كما أدت الحرب إلى تفاقم المشاكل الديمجرافية فى روسيا، حيث حيث ساهمت خسارة الشباب في الصراع في شيخوخة السكان.

التأثير البيئى

أوكرانيا: تسببت الحرب في أضرار بيئية واسعة النطاق، بما في ذلك التلوث الناتج عن القصف المدفعي والغارات الجوية، وتلوث الأراضي بسبب الألغام، وتدمير البنية التحتية للطاقة. كما أن هناك أيضًا مخاوف بشأن سلامة محطات الطاقة النووية، خاصة محطة زابوريجيا التي قد تواجه خطرًا كارثيًا.

روسيا: إضافة إلى الأضرار البيئية في الأراضي المحتلة، تسببت الأعمال العسكرية الروسية في تدمير النظم البيئية. كما وُجهت انتقادات لاستمرار اعتماد روسيا على الوقود الأحفوري، على الرغم من فقدانها إمكانية الوصول إلى الأسواق الأوروبية.

لقد أثرت الحرب بعمق على كلا البلدين، حيث تضررت اقتصاداتهم ومجتمعاتهم وبيئاتهم. ومن المتوقع أن تستمر هذه الآثار لفترة طويلة بعد انتهاء النزاع.

رابعًا: كيف أثرت الحرب على العلاقة المستقبلية بين الشعب الأوكراني والحكومات المستقبلية ونظيراتها على الجانب الروسي

كان للحرب في أوكرانيا آثار كبيرة على كل من أوكرانيا وروسيا، حيث شكلت مواقفهما على الساحة الدولية وأثرت على علاقاتهما المستقبلية مع بعضهما البعض.

أوكرانيا: دفعت الحرب أوكرانيا إلى التقارب مع الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، حيث تسعى أوكرانيا إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ودعم الناتو من أجل الأمن. وقد أصبح الرئيس الأوكراني زيلينسكي شخصية عالمية بارزة، واكتسبت أوكرانيا نفوذًا دبلوماسيًا دوليًا على الرغم من الصراع الدائر.

ويغمر الأوكرانيون شعور قوي بالفخر والوحدة الوطنية، ويدعم الكثيرون منهم توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وقد عززت الحرب الهوية الوطنية لأوكرانيا، حيث يرى المواطنون أنفسهم بشكل متزايد كجزء من المجتمع الأوروبي الأوسع. كما أنهم ينظرون إلى نضالهم على أنه كفاح من أجل الديمقراطية وتقرير المصير.

وقد حصلت أوكرانيا على دعم واسع النطاق من الدول الغربية، بما في ذلك المساعدات العسكرية والإنسانية. أصبحت البلاد رمزًا للمقاومة ضد العدوان ودافعت بقوة عن العدالة الدولية وحقوق الإنسان.

روسيا: أدّى غزو روسيا لأوكرانيا إلى عزلتها المتزايدة عن الدول الغربية، حيث تواجه عقوبات قاسية واستبعادًا دبلوماسيًا. وردًا على ذلك، ركزت روسيا على تعزيز علاقاتها مع الدول غير الغربية، لا سيما الصين والهند، لكن نفوذها تضاءل بشكل كبير على الساحة العالمية.

أما الشعب الروسى، فقد انقسمت نظرته إلى الحرب.  فبينما يؤيد البعض تصرفات الحكومة، يشعر الكثيرون بخيبة أمل، خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا. وتستخدم الحكومة الدعاية للحفاظ على السيطرة، وتصور الحرب على أنها دفاع وطني ضد حلف الناتو، ولكن المعارضة المتزايدة واضحة في المدن الكبرى:

وقد أدت الحرب إلى زيادة عزلة روسيا، حيث تنظر إليها العديد من الدول على أنها قوة مزعزعة للاستقرار. وفي حين سعت روسيا إلى إقامة تحالفات مع الصين ودول أخرى غير غربية، إلا أنها لا تزال تعتمد على الصين في التجارة والدعم السياسي.

لقد غيرت الحرب المكانة الدولية لكل من أوكرانيا وروسيا. فقد عززت أوكرانيا علاقاتها مع الغرب ورسّخت هويتها الوطنية، بينما أصبحت روسيا أكثر عزلةً واعتمادًا متزايدًا على القوى غير الغربية. وستشكل العواقب طويلة الأجل لهذه التغييرات علاقاتهما المستقبلية مع المجتمع الدولى.

المصادر

1. Congress.gov.  “Troop Deaths and Injuries in Ukraine War Near Half a Million, U.S. Officials Say.”

https://www.congress.gov/118/meeting/house/116768/documents/HHRG-118-ZS00-20240130-SD002.pdf

2. World Food Program, USA.  “Ukraine After Two Years of War: How The Conflict Has affected Civilians.”  23 February, 2024.

3. Agence France Press (AFP).  “Toll of War in Ukraine High, But Just How Much Unknown.” 12 February, 2024.

https://www.barrons.com/news/toll-of-war-in-ukraine-high-but-just-how-much-unknown-3a0fb969

شارك هذا المقال على :

تم نسخ الرابط !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقلات قد تعجبك